من اللحظة الأولى حين نقرأ عبارة الأراجوزاتي، خاصة إذا كانت عنوان لقصة أو رواية أو حتى فيلم سينمائيّ. أو بسردية، على الفور تستدعي كافة الصفات النبيلة، من شجاعة وجرأة وحب وخفة ظل، وتتكون في الذهن تلك الصورة المبهجة للدمية الشهيرة بشكلها المعروف في جميع أنحاء العالم، بغطاء الرأس الذي يشبه القرطاس أو الطرطور والجلباب المزركش وأحيانا عصاه، والأراجوز يعد بالأساس من الفلكلور الشعبي لدى كافة المجتمعات العربية، الكل يعرفه والجميع يتابعه ويعشقه بطبيعة الحال، صغيرا أو كبيرا وحتى الشيوخ، والأجيال السابقة كانت تجول خلفه من زقاق لزقاق ومن حي لحي ومن بلدة لأخرى والأراجوز في السابق لم يكن مجرد فقرة للضحك والتسلية والترفية فحسب، بل كان لسان حال الناس والشعوب، يعبر عن معاناتهم. ويتكلم بلسانهم، يسخر ويبكي وينقد أوضاع ويفضح أنظمة وحكومات.
وفي أراجوز تركية لوصيف، شاهدت وقرأت ما لم أشهده وأقرأه من قبل في القصص الشعبية،.. فالكاتبة. أثرت قصتها بالصورة والحركة والحوار البسيط، بالإضافة إلى مشاعر متنوعة من الحب والعشق والرومانسية.. بل والغيرة والحقد. والتضحية معا.
جعلتني الكاتبة أري كل هذه المشاعر في عيون وسلوك شخوصها وأبطالها رؤى الواقع.. فحين تقول علي لسان بطلتها (تعرض موسى لعقوبة الفصل من المسرح رأيته يغادر غاضبا)…
على الفور تفتك ذهني وتفتح خيالي ووجدت صاحب المسرح بأم عيني يقف أمامي. بصوته الأجش. ووجهة القبيح وكرشة الذي استولي علي ثلثي جسده، ينهرموسى ويطرده.
وعلى الفور أيضا، شعرت بحزن موسي وغضبة وقلة حيلته وانصرافه من المسرح بهدوء ما هذه الصورة المبدعة التي صورتها الكاتبة، فقد أجبرت المتلقي بل وأقحمته طواعية بالدخول في ثنايا حكايتها دون مقدمات أو إذن ثم تنتقل الكاتبة بالقارئ إلى مكان آخر بسهولة ويسر ودون عناء أو فصل، إلى سوق الأقمشة، لقد وجدتني في السوق بنفسي أتسكع وعيناي زائغة بين الدكاكين والمعارض وألوان الأقمشة وكأني أصبحت جزء من الحكاية وعنصر من عناصر التشخيص والإدلاء فيها، وليس مجرد متلقي أو قارئ.
وفي منتهى الرومانسية ترسم الكاتبة لوحة لبطلتها “سيلينا وحبيبها موسي الأراجوزاتي” وهما يرقصان معا داخل المطعم، بمناسبة عيد ميلاد البطلة سيلينا، أي فرحة وأي سعادة صورتها الكاتبة لحالة البطلة ونقلتها لنا بطبيعة الحال.
تأتي لحظة الخروج من المطعم وسيلينا تمسك بدميتها السوداء، هديتها من حبيبها موسي، وتلوح بها للمارة تعبيرا عن الفرح والسعادة بالحبيب وهديته… ثم تنقل لنا الكاتبة مشاعر سيلينا تجاه غريمتها الجميلة الشقراء نرجس كما وصفتها الكاتبة، الأخريات في حياة الأراجوزاتي الذي حياته تتوقف عند الشخصية المقحمة من طرف المبدعة وهى الفتاة الخرساء التي يجبر على الزواج منها فيصطدم بجدار الصمت وهو من كان يتحاور مع الدمى والجمهور، صفة الكلام التي يحيا بها الأراجوزاتي في التعبير والسخرية من الأوضاع وضعته الكاتبة وجها لوجه مع احتمالية الأراجوز الصامت وكأنها تبرر شرعية الكلام في كل المواضيع والطابوهات للأراجوزاتي.
وتستمر المبدعة في نظم صورها ورسم لوحاتها بسرد ممتع لأحداث القصة وتتحرك بنعومة ورشاقة كراقصة الباليه ومن مكان لأخر،فمن الغوص في أعماق البحر للقفز داخل السفينة ثم الانتقال للمرفأ. هروبا من الشرطة وصاحب المسرح، ثم لقاء مالك السفينة الذي يسبب لهم الرهب والارتباك والحيرة.
في النهاية لقد سعدت بالأراجوزاتي والأخريات قارئا ومشخصا فيها، إنها قصة تحرض علي أعمال العقل والخيال معا وتوافرت فيها كافة عناصر القصة. من زمان ومكان، وشخوص… وحوار كما وقد تنوعت فيها المشاعر، واتسمت القصة بالإيقاع السريع دون رتابة أو ممل في الحوار أو الصراع، أدعو الجميع لقراءتها للاستمتاع بقصة شيقة والتمتع بأسلوب الكاتبة السهل الممتنع.
الأستاذ والناقد الفني المصري خالد سامى زكى