اللوحة التي نقدمها في مقامنا هذا و هي عبارة عن تفاصيل من لوحة الصادرات الرئيسية من أصل نباتي.. وهي لوحة لها بعد اشهاري للاستعمار الفرنسي للجزائر وما كان ينقل من خيرات للبلاد الفرنسية، لوحة للرسام ميشال جيو، المولود عام 1885. رسمت خصيصا بمناسبة معرض مرور قرن على احتلال الجزائر عام 1931، أنجز الفنان سبع لوحات حول موضوع الاقتصاد الاستعماري وتمثل المواد الغذائية. المحاصيل الغذائية التي تصدرها الأراضي الفرنسية من إفريقيا وآسيا.
يوجد في هذا الجزء من اللوحة ثلاث شخصيات. رجل من الطراز المغاربي، يرتدي الزي التقليدي الأبيض والبيج، يقف مهتما و معتنيا بمزرعة عنب. في الوسط المائل، توجد مرأة ترتدي أيضًا ملابسها الأصيلة جالسة بحجابها تقدم للمشاهد طبقا مليئًا بالحناءمحدقة في الأعين مباشرة.
في الأخير، يظهر لنا طفل بظهره العاري المدبوغ. تظهر حول الجميع المنتجات الاستعمارية المختلفة و التي كتبت أسماؤها بأحرف صفراء ذهبية.
في اللوحة يحتل العنب والنبيذ مكانة بارزة، تكاد تكون ظاهرة، في المقدمة. باستخدام الألوان الزيتية بمهارة، يلاعب الفنان تنوع الألوان ويضيء تنوع ووفرة المنتجات الاستعمارية.
يسعى العمل الفني إلى إقناع العاصمة الفرنسية بفوائد الإستعمار، عبر الزراعة، وإظهار كل ما تجلبه المستعمرات إلى فرنسا. إن وفرة المنتجات المحلية تثبت الخصوبة الكبيرة لهذه الأراضي البعيدة عن المركز، إذا تم استغلالها بشكل جيد. بعيدًا عن البعد الغرائبي للعقلية الاوروبية، أراد الرسام أن يشير الى أن السكان الأصليين هم الذين يقدمون إنتاجهم عن طيب خاطر.. كما يعني أنهم، مدربين تدريباً جيداً وخاضعين بعبودية لإشراف جيد، وهم قادرون على ازدهارهم وازدهار المدينة، من كل شيء. زرع او رعاية.
ومن ثم فإن مبدأ الاستعمار هو الذي يهدف إلى إضفاء الشرعية، وفرة الحصاد تظهر أن المهمة الحضارية التي تمارسها فرنسا والمستوطنون هناك تفيد الجميع. لقد تم ترويض الأراضي “الغريبة” لتقديم أفضل ما لديها. السكان الأصليون أيضًا، الذين يبدون قبل كل شيء مطيعين ومسالمين وواثقين في عملهم ومستقبلهم (خاصة الرجال). إذا كانت النظرة الفخورة للمرأة تعبر عن نوع من التمرد، فسيكون ذلك نتيجة لنجاحها في العملية الزراعية والتجارية الناجمة عن الاستعمار بدلاً من الطعن فيه.
الكروم والنبيذ (مثل القمح أو الخضار في هذا الصدد) ليست منتجات غريبة بالتأكيد على الفرنسيين. لكنها الثمار الحقيقية للعمل الجاد، تستحق أن تُدرج في قائمة الثروة الزراعية التي تجلبها المستعمرات إلى فرنسا، أرض النبيذ بامتياز. ربما كان السؤال هنا هو طمأنة المستهلكين و “الرد” على مزارعي النبيذ الحضريين غير الراضين عن المنافسة من النبيذ الجزائري – فقد عانى القطاع من إضراب عام 1907 والعديد من الأزمات بعد ذلك.
التشكيلي مصطفى بوسنة