قسنطينة، سيدة الحشمة، أميرة المالوف، وسلطانة الطرب، المدينة العذراء مذ كانت، يخطفك الذهول من على أرضها، وأنت تراها منتصبة على مشارف التاريخ، ما كان لها أن تتوّج بهذا الاسم إلا وهي تتوسد امتداد الزمان في عظمة المكان، لفرط ما دللها التاريخ نكاية في الجغرافيا تدلت قدماها من على القمم المتناطحة.
في ضيافة المطر، وبعيدا عن الموت، ترتب المصادفة مواعيد العشاق بلا حذر، فيتبرعم الحب تحت مظلة الحماية، وينمو مشكلا الحياة في أسمى معانيها، ولا طعم لعمر يخلومن الحبيب. بهذه المعاني الجميلة استهلت الكاتبة روايتها، لتواصل السرد بأسلوب انسيابي مشوق، وقفت من خلاله على المناطق المعتمة في التاريخ، والموبوءة في السياسة والثقافة، وهوالتشوه الذي كان سببا في إحداث عطب بالذاكرة. إن من يقرأ رواية عابر سبيل، يشعر كأنه في رحلة بحث عن الذات، حيث تعانقه في كل جملة رائحة الوطن، وبين فقرة أخرى تنازعه غواية الموطن.
إن أغلب أحداث رواية عابر سرير جرت بين باريس وقسنطينة، استطاعت الكاتبة ضمن سياقي لغوي طغى عليه الخطاب الشعري، أن تنقل إلى المتلقي صورا من الواقع، وأن تجعل كل شيء يتواضع أمام القيم الإنسانية، فهي لم تجد صعوبة في بناء ذلك الفضاء الأدبي، الذي أفضى إلى ميلاد ثلاثية متناسقة، يتآلف فيها التاريخ، والفن، والسياسة، وفضاء رحب تتعايش فيه والأضداد والتناقضات: الموت والحياة، الخيانة والوفاء، الحب والكراهية، الغدر والإخلاص، وللمكر والمؤامرة الدور الأهم.
يعد الاستدعاء في النص الروائي أحد أشكال التناص، فتوظيف الشخصيات التاريخية والتراثية والسياسية في نص سردي معين، يعتبر استحضارا لقصة هذه الشخصية أوتلك، ومهما كانت هذه الشخصيات المرجعية، فإنها وليدة تفاعل اجتماعي محلي، أوخلاصة تجارب كان له تأثير في حياة البشرية، لذا فهي عالقة بأسمائها وأفعالها وأقوالها في ذاكرة المتلقي، نتيجة مما قرأه، أوتحصيل حاصل انتقل إليه عن طريق الحكي الشعبي، مما يجعلها تساهم في تأثيث النص من جهة وتعضيد متونه من جهة أخرى.
إن اختيار الكاتب لإقحام شخصية معينة أوأكثر في نص روائي، لم يكن عيثا، أومن باب المصادفة، بل ينبغي أن يكون انتقاء واعي، له مقصديته ودلالاته، الغرض منه إنجاز عمل سردي وفق خطة معينة، إذ أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجد شخصية خارج نطاق الحدث، أونجد حدث منفصل عن الشخصية، فالعلاقة بينهما ترابطية، وتكاملية في آن واحد، كلاهما يشارك بشكل أوبآخر في رسم اللوحة الفنية للنص السردي، غير أنه يتعين على الكاتب ألا يبالغ في الاستدعاء، حتى لا يفقد نصه الاستمرارية السردية، ويتحول إلى مشهد استعراضي.
قامت الكاتبة بكم هائل من الاستدعاءات سواء كان ذلك عن طريق الاسم واللقب أو الكنية أو عن طريق الهيئة أوالدور، نذكر القليل منها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ امرأة أقيس اهتزازاتها بمعيار رختر….. ص 14
ـ سالفادور أحب Gala وقرر خطفها من زوجها الشاعر بول إيلوار، لحظة رؤية ظهرها العاري في البحر صيف 1949 ….. ص 15
ـ لورأى بورخيس تلك المرأة وهي ترقص لنا معا، أنا وهو، لوجد للزندالي قرابة بالرقص الأرجنتيني كما التانغو، إنه فكر حزين يرقص على إيقاع الغيرة لفض خلافات العشاق…. ص 16
ـ كانت امرأة ترتب خزائنها في حضرتك، تفرغ حقيبتها وتعلق ثيابها أمامك، قطعة قطعة، وهي تستمع إلى موسيقى تيودوراكيس أوتدندن أغنية لديميس روسوس…. ص19
حتى أنني في الفترة التي تلت اغتيال عبد الحق، كنت استيقظ مذعورا كما على صوت بكاء رضيع ….. ص21
ـ كنت قرأت أن الغوليين كانوا يرمون إلى النار الرسائل التي يريدون إرسالها إلى موتاهم، وكان مأتم النار يدوم لعدة أيام…. ص 23
ـ يقول أغراهام غيرين، ناسيا أن يضيف أنه في أغلب الظن ستصطدم بجثث كانت لعشاق لنا يقبعون في قعر محيط النسيان…. ص 23
ـ بلزاك في آخر أيام عمره، وهوعائد من روسيا بعد زواجه من السيدة ها نسكا المرأة الاستقراطية التي تراسل معها مدة 18 سنة، ومات بعد زواجه منها بستة أشهر…. ص24
ـ قال هنقل لطبيبه وهوعلى سريره الأخير( خلق القانون ليخترق، ثم أنت لا تستطيع يا رجل أن تعيش وتموت مطيعا، ولا أن تكون جبانا في السابعة والستين من عمرك.. وتخاف سيجارة)… ص270
ـ الجنرال أنطونيولوبيز دي سانتانا الذي حكم المكسيك حكما دكتاتوريا ثلاث مرات، أقام جنازة رسمية رهيبة لساقه التي فقدها في ما يسمى بحرب الفطائر …. ص 271
ـ استعيد كتاب(توأما نجمة) وصاحبه الذي يروي كيف وجد نفسه لمصادفة غريبة،المرافق لجثمان كاتب يسين ومصطفي كاتب من مرسيليا إلى الجزائر….. ص 299
يتضح من خلال النص أن الكاتبة بالغت في الاستدعاء مما أفضى على نصها صبغة من الاستعراض، وقد ساهم ذلك الزخم من الشخصيات في تعطيل وتيرة الإيقاع السردي إلى حد ما وأحدث تضاربا في السياق، وخللا في الحبكة.
الروائي الناقد جايلي العياشي