تفاجأت وأنا أطالع كتاب طه حسين الموسوم “نقد وإصلاح بعد أن اشتريته، أذكر من الشيخ بائع الكتب في السوق الشعبي لمدينتي، مطلع التسعينيات. كان الشيخ صديقنا وصديق الكتاب، يحب كتب طه حسين، ويتيحها بوفرة لمشتري كتبه؛ وكنت أحدهم. من المفارقة أنه لم يكن يقرأها، وعندما سألته ذات يوم عن سر تعلقه به، أجابني أنه يتعاطف معه لأنه كان كفيف البصر، وأنه تحدّى الإعاقة، بفضل إرادته، لذلك يستاهل كما قال.
وأنا أقرأ يومها الكتاب (دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السادسة، نوفمبر1977)، تفاجأت بنص جميل (الصفحة 46)، يحتفي فيه عميد الأدب العربي برائعة الكاتب الجزائري الكبير مولود معمري: الربوة المنسية، بين صفحات هذا الكتاب الذي يضم مجموعة من مقالات، كان يكتبها طه حسين للصحف والمجلات المصرية، عن جديد الكتب في الغرب والبلدان العربية.
من خلال هذا النص، سنكتشف أن طه حسين قرأ رواية مولود معمري، قراءة واعية ومتفحصة ودقيقة، في ضوء التفاصيل التي أسهب في سردها بعناية. في آخر النص يعترف طه حسين، بروعة الرواية وجمالها وقوّتها، ويتمنى لو أنها كتبت بالعربية. كما يعترف طه حسين أنه “لم يتلَقَّ من الجزائر كتابًا يقارب هذا الكتاب جودةً وإتقانًا وامتيازًا” كما كتب يقول.
أسعدني كثيرا نص طه حسين، وهذا الاحتفاء الجميل منه بأديب جزائري، اكتشفناه خاصة من خلال الفيلم التاريخي الناجح “الأفيون والعصا” لأحمد راشدي، المقتبس من إحدى رواياته بنفس العنوان. هكذا كتبت مقالا أرسلته إلى جريدة الخبر تحت عنوان: “ماذا قال طه حسين عن الربوة المنسية؟” نشره مشكورا الكاتب والإعلامي الصديق حميد عبد القادر؛ وقد أشرت في بدايته إلى مناسبة تاريخية، وهي الانطلاق في تصوير هذه الرواية الجميلة، لتحويلها إلى فيلم سينمائي ناطق باللغة الأمازيغية، لأول مرة في تاريخ السينما الجزائرية، من إخراج عبد المالك بوقرموح. ثم توالت بعد ذلك عدة مقالات تتحدث عن هذا النص؛ لا أدّعي أنني أول من تحدث عن هذا النص المحتفي بمولود معمري، ولكنني لم أقرأ في حدود علمي، قبل نشره في جريدة الخبر (28 مارس 1993) مقالا يتحدث عنه. ثم بعد ذلك أعدت نشره مع بعض التصرف، قبل ثلاث سنوات في موقع ثقافي الكتروني؛ لتعيد نشره مشكورة، المحافظة السامية للامازيغية، على موقعها، تحت عنوان: “طه حسين ومولود معمري: معًا في الرّبوة المنسية”.
بوداوود عميير