خصصت المجلة الفرنسية الأسبوعية L’OBS في عددها الجديد، غلافها للشاعر الفرنسي آرثر رامبو، الذي يعتبر أحد أبرز الشعراء المجددين في فرنسا والعالم، كتب الشعر وأبدع فيه شابا، في ربيع العمر؛ ثم سرعان ما توقف عن كتابة الشعر ليخوض بعيدا عن نظمه، غمار الحياة، بعنفوانها وصخبها. لم يعش طويلا، رحل في ريعان شبابه عن عمر يناهز 37 سنة. ورغم ذلك تمكَّن، بشعر قليل نسبيا، أن يصبح واحدا من رواد الحركة السريالية في العالم.
نوّهت المجلة الفرنسية، بالمكانة التي يتبوأها رامبو، كشاعر يحظى من خلال تواجد هيمن على الأشياء والأمكنة في فرنسا والعالم، ورسخ في ذاكرة الناس، كما لم يحظ شاعر آخر مثله باللغة الفرنسية.
ترجمت أعماله الشعرية إلى اللغة العربية، وكتب عن حياته وشعره الكثير من الكتّاب العرب، لكن أهم وأعمق من كتب عنه في اعتقادي، شاعر جزائري كبير اسمه عثمان لوصيف، رحمه الله؛ ليس كتابا ولكن أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، أشرف عليها بكفاءة واقتدار، الصديق الكاتب والأكاديمي الدكتور بلحيا الطاهر.
سيخبرنا عثمان لوصيف، في أطروحته القيّمة، أن الشاعر آرثر رامبو زار اليمن والحبشة وبلدان مشرقية، وكان يحرص على تعلم اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم، وفي المستشفى عندما أصيب بالسرطان، كان يردد دون انقطاع هاتين الكلمتين العربيتين: الله، كريم. عثمان لوصيف، يورد العبارة بالفرنسية من مصدر فرنسي موثوق، ولكنه يستطرد قائلا : أننا لا ندّعي من جانبنا أنه مات مسلما، فذلك شأن آخر بعيدا عن مجال بحثنا؛ لكن من المؤكد أن رامبو، تأثر بالصوفية العربية الإسلامية، ويورد عثمان لوصيف في هذا الصدد، كلاما للشاعر ادونيس، في حديثه عن رسالتي الرائي إن ما يقوله رامبو في الرسالتين، يكاد أن يكون استعادة شبه حرفية، لكن بلغة حديثة، لما كان يقوله الصوفي العربي.
مصادر عثمان لوصيف فرنسية في أغلبها، لأنه كان يجيد اللغة الفرنسية، وهناك نماذج من قصائد تضمنتها أطروحته، ترجمها باقتدار للشاعر رامبو.
هذه الأطروحة القيّمة، لا تزال مجرد أطروحة، لم تتحوّل إلى كتاب، رغم أهميتها وقيمتها التاريخية والأدبية، لو قيّض لها أن تنشر كتابا، سيكون في رأيي أفضل كتاب باللغة العربية، يتناول بعمق حياة وأعمال الشاعر آرثر رامبو.
…
لمحة تعريفية: بوداوود عميير، من مواليد مدينة العين الصفراء/ ولاية النعامة، قاص ومترجم، وباحث في الأدب الكولونيالي وكاتب مقالات في العديد من الصحف والمجلات الجزائرية والعربية. ومن بين ترجماته من الفرنسية إلى اللغة العربية، مجموعة من الكتب التاريخية والأدبية، فمن الكتب ذات الصلة بتاريخ الجنوب الغربي الجزائري. ترجم: لمحة تاريخية عن الجنوب الغربي الجزائري عام 2008، كتاب النسب الشريف عام 2009، سيدي الشيخ، الشخصية الخارقة عام 2010. كما ترجم المجموعة القصصية ياسمينة وقصص أخرى لإيزابيل إيبرهارت، والتي صدرت في طبعتها الأولى سنة 2011 عن دار القدس العربي في وهران، وعن كِتاب مجلة الدوحة القطرية في طبعة ثانية ومنقحة سنة 2015. وصوب البحر، مجموعة قصصية صدرت عن دار الكلمة للنشر والتوزيع بالجزائر. وديوان صديقتي القيثارة للراحلة صفية كتو، صدرعام 2017، عن دار الوطن اليوم…
بوداوود عميير