أنهيت قراءة رواية وصلتني من الكاتب الجزائري المغترب، عمارة لخوص، عنوانها “طير الليل”، وهي رواية جديدة صدرت عن منشورات المتوسط. رواية يمكن وصفها بالملحمة، لاسيّما وأن مؤلفها يفكر في كتابة جزء ثان وثالث لها. تتبع الرواية مصائر وحيوات أربع شخصيات، رفقاء سلاح، يمتد بهم العمر ليعيشوا محطات تاريخية حاسمة، عاشتها الجزائر خلال الثورة وبعد الاستقلال؛ يمتدّ زمنها من سنة 1958 إلى غاية سنة 2018، وتجري أحداثها في مدينة وهران.
ورغم كثافة الأحداث المحيطة بعوالم الرواية، لكن الروائي استطاع بمهارة أن يخفّف من وطئها؛ هكذا ينسج من عمق المأساة، حبكة جميلة تأخذ بلبّ القارئ من أول سطر في الرواية؛ حكاية تحوي جميع عناصر التشويق، تنطلق من جريمة شنعاء، إلى تعقّب الفاعلين، إلى تحريات تنبش الماضي وترصد الحاضر؛ باعتماد تقنية الفلاش باك، مما يسمح باستعادة الماضي بطريقة سلسة، لا تؤثر على بنيتها السردية؛ تسندها في ذلك لغة مكثفة، شديدة الوضوح، تنأى بعيدا عن التعقيد اللفظي والزخرفة اللغوية.
التقنيات السردية التي اعتمدها عمارة لخوص، تبدو جديدة ومختلفة، ساهمت من حيث فشل روائيون آخرون في تصديهم لاكراهات السرد التاريخي، في تحقيقها لعنصري التشويق واستحضار الماضي. ويعود ذلك ربما إلى أن الروائي عمارة لخوص، استفاد من السنوات الطويلة التي أمضاها في ايطاليا، واحتكاكه بالأدب الايطالي، بوصفه مدرسة أدبية متميزة بخصوصيتها عالميا، واستفادته كذلك من تقنيات السينما، الايطالية تحديدا، في رسم الشخصيات والمشاهد.
هكذا، تحاول الرواية أن تقول أن الأحداث في الجزائر منذ ثورة التحرير، حتى وإن بدت منفصلة بفعل تطور الزمن وتعاقب الأجيال، لكنها سلسلة متصلة ومرتبطة بين بعضها البعض، لا يمكننا أبدا أن ندرك عمقها، بتجاهل أو إلغاء حلقة منها.
الكاتب الجزائري عمارة لخوص، ظاهرة أدبية بامتياز، هاجر مطلع التسعينيات إلى ايطاليا، هناك تعلم اللغة الايطالية، وتابع فيها دراسته بجد واجتهاد، هكذا حصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة روما؛ وسرعان ما نجح في الكتابة بهذه اللغة الجميلة، مجموعة من الأعمال الروائية، ومن بينها رواية موسومة “صدام الحضارات حول مصعد في ساحة فيتوريو”، تُرجمت إلى ثماني لغات، وحازت عدة جوائز أدبية، كما أقتبست إلى فيلم سينمائي ايطالي ناجح. لم يلبث أن عاد إلى الكتابة باللغة العربية من خلال هذه الرواية الجميلة، ورغم طول ابتعاده عن الوطن وعن اللغة العربية، لكنه أدهشنا بلغة عربية سليمة ومطواعة للسرد التفصيلي.
عمارة لخوص، يقيم حاليا في نيويورك ومنذ العام 2014، هناك تحدّ آخر سيقف في مواجهته: الكتابة باللغة الانجليزية، أقصد الكتابة الإبداعية، أما الكتابة والقراءة بها، فقد تمكنّ من التحكم فيهما منذ عامه الأول.
بوداوود عميير