2- تجربة الإخراج الجزائرية في المسرح ما بعد الاستقلال
يظهر من التجربة المسرحية الأولى لعرض مسرحية “جحا”المقتبسة عن مسرحية موليير “المريض رغم انفه” بالعاصمة لسلالي علي المدعو “علالو” في عام 1926انها جسدت كل شروط الحدث المسرحي، متميزة بالأسلوب الكوميدي الهزلي الشعبي، ولم تخرج تلك التجربة المسرحية عموما عن هذا الاتجاه الفرجوي المضحك إلى اليوم و الملاحظ أن الاقتباس كان مبررا فقط لإظهار شخصية “جحا” من خلال الممثل رشيد قسنطيني. ارتكز العرض أساسا على الممثلين بكثير من الارتجال متجاوزين النص الأصلي. وتجدر الإشارة إلى أن المسافة الزمنية لم تكن بعيدة بين بداية المسرح الدرامي في المجتمع الجزائري والمشرق العربي، حيث لم تتجاوز نصف قرن أو أكثر بقليل ، وهذا لا يعني شيئا في مراحل تأسيس الفعل المسرحي الدرامي، فالمجتمعات العربية لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض من حيث الوعاء الثقافي الديني وبداية اكتشاف الفن المسرحي بالمفهوم الدرامي الأرسطي.
إن المزج الثقافي أو عملية التثقف من الخارج الذي حدث في بداية القرن العشرين في ظل ظروف الاستعمار وعملية الاستعارة في تنظيم العروض المسرحية و تقديمها، تميز بالتعبير عن اهتمامات اجتماعية وأخلاقية. اقتبست وأخرجت كثير من النصوص المسرحية “لموليير” على خشبة المسرح، فالبناء الدرامي البسيط لتلك الكوميديات و المواقف، سهلت عملية التلقيح بعناصر التراث الشعبي الثقافي الذي نال إعجاب الجماهير. لقد فرضت اللغة الدرامية أسلوب الدارجة بعد عرض “جحا” لسلالي علي المدعو “علالو” بجانب اللغة العربية الفصحى التي كانت تعتبر عند الكثير لغة النخبة المتعلمة ، لذلك فهي ليست لغة الفن المسرحي الهزلي وإنما هي لغة الدين والتاريخ والهوية. بعد الاستقلال اتجهت الممارسة المسرحية نحو العروض التي تحتوي على مواضيع شعبية ولكن هذه المرة بكثير من الجودة والبحث عن إعادة الهوية الجزائرية على خشبة المسرح الوطني الجزائري والمسارح الجهوية الأخرى في ظل بناء “المجتمع الاشتراكي” الجديد. بعد مسرحية “جحا” التي أكدت اتجاه الممارسة المسرحية في شكلها الجديد الذي احتفظ بعناصر التراث الشعبي القديم، جاءت مسرحية “فاقو” لمحيي الدين بشطارزي التي غيرت محتوى المواضيع فيما بعد التي أصبحت بفضل النشاط الثقافي السياسي العام تتناول مواضيع سياسية اجتماعية مثل مسرحية “على النيف” و”الخداعين” و”بني ويوي” استطاعت هذه العروض أن تجسد فكرة الاحتجاج الذي ظهر عند بعض الناشطين السياسيين في منتصف القرن العشرين. ارتكزت الممارسة المسرحية على عنصر/ “الهوية الثقافية الذي يجر دون قيد إلى عنصر الهوية الاجتماعية ” التي تحدد مكانة الفرد في النظام الاجتماعي بتحديده اجتماعيا.
إن الهوية الاجتماعية الثقافية لا تخص الفرد فقط وإنما كذلك المجموعات البشرية التي تقف على التطابق الاجتماعي.
بدأت الكتابة المسرحية بأساليب شفهية في مرحلتها الأولى و لم ترتقي إلى المستوى الدرامي الذي عرفته الكتابة المسرحية في المجتمع الأوروبي والأنواع المسرحية المختلفة، ولكنها اكتفت في المرحلة الثانية أي بعد الحرب العالمية الثانية بالاقتباس أي الاستعارة عن الآخر. فالمقتبس يحتفظ بالبناء الدرامي ويقوم بحشو عناصر المحيط الاجتماعي الشعبي ما عدا بعض المحاولات من طرف بعض الأدباء والمفكرين الأقلية الذين جربوا التأليف المسرحي ولكنهم توقفوا لعدم تطابق نصوصهم مع صفات الجمهور الجزائري البسيط، خاصة ان هذه النصوص كانت أكثرها أدبية مما هي ركحية، هناك أسباب أخرى كانت عائقا في تطور الكتابة باللغة العربية الفصحى منها إستراتيجية المستعمر على تدمير المقومات الثقافية الجزائرية بعزل اللغة العربية وإفراغها من محتواها الثقافي الحضاري التاريخي وكذلك نقص التأطير الثقافي، وكذلك نقص التأطير الفني والفضاءات التي توافق المهنة المسرحية بمفهومها الأرسطي ، وزيادة عل ذلك خصوصية الجمهور الذي كان لا يفقه اللغة العربية. أصبحت الكتابة المسرحية بعد مرحلة الاكتشاف، عملية فورية تعتمد أساسا على الاقتباس الذي يوفر شروط الفعل الدرامي. يعتمد المجتمع على الأساليب الشفوية في الفعل الثقافي. تهندس الكلمة الصورة وتصبح وسيلة للإقناع والتأثير ولكنها لم تكن منظمة داخل البناء الدرامي الذي أصبح عنصرا هاما في عملية التشخيص بعد مرحلة الاكتشاف.
وعندما يحاول بعض الناشطين في مجال الفن المسرحي اقتحام النوع التراجيدي فإنهم عادة ما يقعون في الأسلوب الملحمي مثل كاكي ولد عبد الرحمان.
يــتبع
د. حبيب بوخليفة