جريدة الجزائر اليومية الجزائرية
مقالات مشابهة
إن المزج بين التأليف والإخراج سمح لكل من كاكي وعلولة وكاتب يسين أن يجسد نوعا مسرحيا ملحميا قائما على شبه التشخيص الدرامي أن عملية الإخراج عندهم هي استمرار عملية التأليف ووسيلة من وسائل التعبير عن مواقفهم الإيديولوجية السياسية بعيدة عن البحث في الفلسفة الجمالية والفكرية الوجودية.
تميزت الفترة من بداية الاستقلال إلى 1974 بنشاط مركز على التوازن في تقديم العروض المسرحية، وهذا راجع إلى وجود المخرجين المعتمدين في المؤسسة المسرحية العمومية وتقود عملية الإخراج التي تمليها الظروف التأسيسية للمؤسسة في زخم الصراعات الإيديولوجية التي كانت تطفوا أحيانا إلى السطح.
نجد مصطفى كاتب قد احتل المرتبة الأولى في عملية إخراج نصوص درامية من مصادر مختلفة وصل عددها إلى تسع مسرحيات، ويأتي في المرتبة الثانية في نفس العملية علال المحب، ثم في المرتبة الثالثة عبد القادر علولة في عملية الإخراج، ويأتي في نفس المرتبة ولد عبد الرحمان كاكي الذي تميز بإخراج نصوصه المؤلفة فقط.
وتوزع بعد ذلك النصوص الأخرى في عملية الإخراج بين عبد الحليم رايس والذي قام بإخراج نصوصه فقط و الحاج عمار ومصطفى قزدرلي، وجون ماري بوقلان وطه العامري .
لكن ابتداء من عام 1973 تغير الوضع بعد إعادة تنظيم المؤسسة المسرحية العمومية وانتقلت عملية الإخراج إلى جيل جديد قد تعمقت رؤيته وتصوره لتنظيم العروض على الخشبة المسرحية.
إن التعامل مع النصوص الأجنبية يكتسي طابعا خاصا لعدة أسباب منها أن البداية المسرحية بمفهومها الحديث كان يعتمد أساسا على عملية الارتجال و ما نسميه بالكتابة الذهنية الوظيفية ، فهي تقوم على العريضة أو˝الكنفة˝ للفعل المسرحي وتفتقر إلى البناء الدرامي الأرسطي ، مضيفا إلى ذلك عناصر من التراث الشعبي العربي والمغاربي.
إن افتقار التجربة المسرحية الجزائرية إلى الكتابة الأدبية الدرامية متوازنة، دفع بها حتما للجوء إلى مصادر نصوص الكتابة الأجنبية العالمية منها الكلاسيكية و الحديثة و الارتكاز على عملية الإخراج أو تركيب العرض على الخشبة المسرحية.
إن التعامل مع نصوص المسرحيات العالمية، قد يختلف من كاتب إلى آخر، سواء كان ذلك على مستوى الجزارة أو الاقتباس أو الترجمة، وفي غالب الأحيان كانت هذه العمليات تدرج بالعامية و لا تحتفظ بجوهر البنية الفكرية للنص الأصلي.
إن التجارب كانت ضرورية لاستمرار الفعل المسرحي وتدخل لا محالة في المسرح ما بعد الدراما لان النص كان مبررا فقط لصنع الحدث بارتكازه على الكلمة و الممثل أساسا بحكم العلاقة الوثيقة بين أدوات التعبير و اللاشعور الجمعي الإنتمائي. لقد كانت الحاجة الملحة في تشكيل كتابة ركحية تسمح بتوطيد العلاقة بين الجمهور و الخشبة المسرحية.
نلاحظ في كثير من المناقشات إشكالية أزمة النص المسرحي منذ الاستقلال ومحاولة العديد من المسرحيين العرب تجاوز صعوبة الكتابة الدرامية المسرحية التي تجعل من النص البنية الأساسية لانطلاقة بناء العرض و تعويضه بكتابة استعجاليه تقوم في كثير من الأحيان ارتجاليا ثم يتم كتابتها فيما بعد خصوصا بعد تطور أساليب و أدوات و تقنيات الإخراج و السينوغرافية التي سمحت للممارسة المسرحية أن تتجاوز النص الدرامي المحكم و الدخول في تجارب مسرحية ما بعد الدراما و التعامل مع مفردات فنية أخرى كالسرد والحكي و الكتابة المتقطعة و السمعي البصري إلى ما ذلك من عناصر تصنع المتعة المسرحية.
لقد استطاع المسرح الشعبي أن يتحرر من لزومية النص الدرامي و يصبح فنا ملموسا في الفضاء المسرحي الثقافي و يهتم بعنصره الأساسي الممثل الذي يكتفي بالحضور الذاتي الوجداني و ليس عنصر مصطنعا يولد الإيهام. انه ثورة ضد مألوف المسرح الدرامي التقليدي وبنياته الراسخة التي تجسد الوحدات الثلاث وفي مخطوط نصي يتطلب له الخشبة المسرحية كإطار حتمي يصور عالما تتحدد فيه الحياة عبر تفاعل الشخصيات، على عكس المسرح الملحمي الشعبي الذي يجعل الحدود بين الواقع والمتخيل بهدف التأسيس لنص مسرحي على روح و وجدان الممثل في عملية ارتجال واسعة لاكتشاف جماليات متنوعة و جديدة معرفية تخدم المتعة المسرحية و الوعي الجمعي. انطلاقا من كل هذه التجارب المسرحية خصوصا لولد عبد الرحمان كاكي وعلولة وكاتب يسين نكتشف أنها كانت حقا ضمن مسرح يلازم عقلية المشاهد و قيمه الاجتماعية و الثقافية لان النص كان لاحقا و ليس قاعديا مثلما هو في التجربة الدرامية. ولعل العلاقة بين الممارسين والثقافة الأوروبية المسرحية من جهة وبينهم والتراث الثقافي الشعبي من جهة أخرى أدى إلى محاولة إبراز شكلا جديدا يحمل عناصر الثقافة الجزائرية بكل أبعادها الحضارية والتاريخية والروحية.
الدكتور المسرحي حبيب بوخليفة