كثير هي اللوحات الزيتية المميزة والمعروضة في قاعة الفن العالمي بالمتحف العمومي الوطني “سيرتا” لكن ما يشد الانتباه هي اللوحة التي تصور فتاة صغيرة و هي بريشة الفنان أنطوان غادان وهو رسام فرنسي عاش في فترة زمنية بمدينة عنابة حيث رسم هناك عدة لوحات فنية ولكن أشهرها على الإطلاق هي اللوحة سالفة الذكر و التي رسمها سنة 1888 م و التي تستقطب الزوار و عشاق الرسم و الناقدين وكل من سمع بها أو رآها و حتى من خارج الجزائر فهي تحفة فنية نادرة إذ رسمت في رأيي بتقنية التصوير الرمزي فقد وصلت إلى حد الإعجاز الفني المدهش. مقاساتها 97 X 138 سم.
وصل أنطوان غادان إلى الجزائر العاصمة عام 1881 وهو في السابعة والعشرين من عمره انتقل إلى عنابة مع عائلته عام 1886 حيث طاف بريف المدينة فسحره جمالها فعشقها حتى الجنون .
و لذلك غلب على أعمال أنطوان غادان الموضوعات الريفية حيث كان يلقب بـ “رسام الأعشاب” لكن هذه المرة خرج عن المألوف فقد رسم بورتريه لفتاة معاقة ! وهذا ما زاد من جمال وروعة اللوحة و غموضها إذ عرض الفنان بطلته هذه في وضع عاطفي فاض بالكثير من الحزن و الأسى و المعاناة.
اللوحة في رأيي هي نقلة فنية حقيقية في مجال فن التصوير حيث تظهر بواقعية فتبدو الفتاة محدّقة النظر بالرائي وكأنها تنظر لمن أحس بمعاناتها وشعر بها، حيث ارتسم على وجهها تعبير معقد مزج بين الذكاء والانتباه و الحزن والبراءة مع الجمال و الأمل.
هذا ما ساهم بدوره بصناعة و مصداقية اللوحة وإعطاها بعد واقعي يكاد ينطق الصورة.
تم التركيز من زاوية أخرى على الملابس الأنيقة والمجوهرات و التي توحي على نبل الفتاة وارستقراطيتها والتي حددت الأبعاد الفنية لهذه اللوحة و ما زادها جمالا و ر ونقا تناسق الألوان و التناسب باعتماد أسلوب مل ء الفراغ هذا ما دل على علو كعب الفنان وكأنه شعر بمعاناتها وأرادنا نحن كمشاهدين أن نقاسمها نفس الإحساس !.
شعيبي عبد الحق محافظ تراث ثقافي بمتحف “سيرتا“