مسرح البونراكو شكل من أشكال المسرح التقليدي الياباني وتؤديه الدمى، مرفوقا بالغناء والسرد وتعزف موسيقاه بآلة ثلاثية الأوتار تسمى ״شامسن״.
أما الدمى فيحركها ثلاثة من الممثلين يتولي الممثل الرئيسي تحريك رأس الدمية واليد اليمني ويكفل الثاني باليد اليسري أما الممثل الثالث فيتولي تحريك الرجلين.
والممثل الرئيسي هو من يقرر حركات الدمية وعلى الآخرين التوائم معه ونظرا لدقة الحركة فان الدمية تبدو للمتفرج وكأنها كائن إنساني.
ظهر مسرح البونراكو في القرن السادس عشر جامعا الفنون المسرحية الأخرى الموجودة قبله مثل الموسيقي والدمى والسرد( الراوي). وقد عرف نجاحات كبيرة في اليابان وخاصة في القرن السابع عشر مع الأعمال التي كتبها الدراماتوج الكبير شيكاماتسي مونزيمون (1653..1724). وكان لنصوصه تأثير كبير علي مسرح الكابوكي ويصنف البونراكو مثل غيره من إشكال المسارح الأخرى في اليابان بمسرح تقليدي مثل النو والكابوكي ويعد من التراث الثقافي اللامادي بحسب تصنيفات ״اليونسكو״.
״الثعلب الأبيض״
الثعلب الأبيض واحد من النصوص التي كتبها شيكاماتسي وقدم لأول مرة في اليابان سنة 1766 ومنذ ذلك التاريخ وهو يعرض في كل مرة ملاقيا نفس النجاح الذي لقيه في أول عروضه النص مستلهم من التاريخ وبطلته الأميرة يايكاكي من قبيلة نيغاو وهي مخطوبة للأمير كاتسيوري من قبيلة تايكيدا. القبيلتان متجاورتان وقويتان لكن قبيلة نيغاو تقرر قتل الأمير كاتسيوري لتبدأ رحلة الأميرة يايكاكي وبدل ما تستطيعه لإنقاذ خطيبه كاتسيوري.
في المشهد الأول نجد الاميرة تفكر في انقاذ الأمير والأمير يجهل المؤامرة التي حيكت لاغتياله تقول الأميرة (أبي رئيس اليوسيجي لايستمع لصلواتي ولا يفكر سوي في المعركة مع قبيلة تايكيدا) الثعلب الأبيض يعتبر اله في هذه الحكاية وفي المعتقد الياباني.
في المشهد الثاني تعلن الأميرة أنه لا وقت لدبها وانه عليها أن تلحق الأمير قبل اغتياله وتقرر سلك الطريق المختصر عبرة بحيرة سيوا بالسفينة.
المشهد الثالث تجد الأميرة بحيرة سيوا متجمدة الأمر الذي يجعلها عاجزة عن عبورها فتتمنى لو كانت لها أجنحة لتطير والالتحاق بالأمير لأنه حتى السفينة لا يمكنها عبور البحيرة المتجمدة.
المسهد الرابع نجد الأميرة وقد عجزت عن عبور البحيرة تقول حتى لو بكيت مائة أو ألف سنة فلن أنقذ حياة الأمير أن أخر ملجأ لي هو الإله وتصلي الأميرة لخوذة ايلحة الساموراي.
المشهد الموالي ولأن الخوذة تمثل الإله وان الوعد كان من قبل لقبيلة تايكيدا بان الخوذة تنقذ الأمير كاتسيوري فعلى واله بحيرة سيوا إنقاذ الأمير كاتسيوري.
وتشاهد الأميرة صورة الثعلب الأبيض في مياه بحيرة سيوا، ( إنها صورة الثعلب الأبيض منعكسة في مياه البحيرة كم هو غريب) وتعاود الأميرة النظر من جديد ولكنها هذه المرة لتشاهد سوي صورتها هي (لق رايت من قبل صورة الثعلب الأبيض ولكن نيلا اري سوي صورتي هل كان ذلك وهما كما هو غريب)، المشهد الموالي تأخذ الأميرة الخوذة في يدها وتنظر من جديد إلى سطح مياه البحيرة وتشاهد بوضوح صورة الثعلب الأبيض (إنها حقيقية يقولون إن اله بحيرة سيوا يرسل الثعلب الأبيض كرسول له إن الإله يعبر عن رغبته في مساعدتي وحمايتي ״وتقول الأسطورة إن الثعلب الأبيض يقود من يحميه الإله ويريه الطريق في البحرة المتجمدة״ ويكون حب الأميرة للأمير وقوة الإله الناقلان للخوذة إلى الأمير كاتسيوري وهكذا تحمل الأميرة الخوذ وتعبر البحيرة المتجمدة مرفوقة بالثعلب الأبيض بينما تطفو فوق رأسيهما رصاصات النار.
هذا العمل التراثي من مسرح البونراكو كان لي حظ مشاهدته ذات سنة في مسرح قسنطينة الجهوي، انه واحد من العروض التي تنقلك إلى اليابان وأجواء الأسطورة ومسارحها أو مسرحها المتميز والمختلف كذلك عن المسارح الأخرى إن عرض مثل هذا لا يمكنك وأنت تشاهده حتى وان أم يقول لك بلده فانك لن تخطئ في نسبته إلى الياباني وتلك ميزة يمتاز بها المسرح في اغلب دول أسيا الصفراء وايس في اليابان وحدها لأن المسرح هناك له خصائص ليست موجودة في المسارح الأخرى وتلك فرادته، وغرائبيته كذلك.
…
لمحة تعريفية: علاوة وهبي، كاتب وإعلامي متقاعد، كان من أهم المسرحيين ممارسا، حيث يعد من مؤسسي فرقة ״كراك״ المسرحي بقسنطينة إلى جانب عبد الحميد حباط، ألف العديد من النصوص المسرحية، تم تقديمها وحاز عن أحدها بعنوان ״الضوء״ الجائزة الأولى سنة 1966 في مهرجان عيد الاستقلال والشباب. وله عدة مؤلفات منشورة في القصة والرواية والمسرح والشعر، ومجموعة كتب مترجمة عن الفرنسية في مجالات مختلفة، أهمها ترجمة مسرحية ״لمحمد ديب״، و״استراحة المهرجين״ لنور الدين عبة وآخرين من الغرب.
علاوة وهبي