الفن التجريدي (L’art abstrait) فن يعتمد في الأداء على أشكال ونماذج مجردة تنأى عن مشابهة المشخصات و المرئيات في صورتها الطبيعية والواقعية..
اهتمت المدرسة التجريدية الفنية بالأصل الطبيعي، ورؤيته من زاوية هندسية، حيث تتحول المناظر إلى مجرد مثلثات ومربعات ودوائر، وتظهر اللوحة التجريدية أشبه ما تكون بقصاصات الورق المتراكمة أو بقطاعات من الصخور أو أشكال السحب، أي مجرد قطع إيقاعية مترابطة ليست لها دلائل بصرية مباشرة، وإن كانت تحمل في طياتها شيئاً من خلاصة التجربة التشكيلية التي مر بها الفنان. وعموماً فإن المذهب التجريدي في الرسم، يسعى إلى البحث عن جوهر الأشياء والتعبير عنها في أشكال موجزة تحمل في داخلها الخبرات الفنية، التي أثارت وجدان الفنان التجريدي. وكلمة ” تجريد ” تعني التخلص من كل آثار الواقع والارتباط به ، فالجسم الكروي تجريد لعدد كبير من الأشكال التي تحمل هذا الطابع: كالتفاحة والشمس وكرة اللعب وما إلى ذلك، فالشكل الواحد قد يوحي بمعان متعددة، فيبدو للمشاهد أكثر ثراء.
فناننا اليوم قامة كبيرة في مجال الفن التشكيلي محليا ودوليا, خريج المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بوهران مقيم بمدينة سيدي بلعباس إنه الأستاذ الكبير والفنان المتميز (حليم لعبدلي) …أما فيما يخص عمله المعروض أمامنا فينتمي لفن التجريد، وهو فن يختزل الأفكار ويشكلها بالألوان دون توضيح الخطوط، ويمتاز بقدرة الفنان على رسم الأشكال التي يتخيّلها سواء من الواقع أم من الخيال بشكل جديد لا يتشابه مع الشكل الأصلي في الرسم النهائي.
عند محاولة قراءتي لهذا العمل – الذي أسرني عند رؤيته للوهلة الأولى وخطف بصري وكياني دون أن أعرف السبب – وجدت أنه يتسم بثلاثة أمور -على الأقل حسب رأيي- وهي :(الضبابية والشفافية والعمق) وهذا لن يتأتى إلا من فنان خبير يدرك جيدا ماذا يفعل ويحسن مكان وضع لمسات فرشاته وسكينته ..استعمل مجموعة من الألوان الحارة ومنها الباردة (الأصفر والأحمر والأزرق والنيلي والرمادي وبعض تدرجاتها ..) .
أسفل اللوحة تتجلى لنا شفافية وكأنها انعكاس على الماء لما هو موجود في أعلى اللوحة … أما في وسط اللوحة من جهة اليسار فيتراءى لنا عمق تسافر معه العينان لما لا نهاية.. أعود للونين الأحمر والأصفر وكأنها نيران مشتعلة وسط المياه، ثم جاء اللون الأزرق ليعطينا توازنا للمنظر بالإضافة للأبيض والرمادي الذي أكمل بهما الفنان ( لعبدلي) بقية مساحة اللوحة…
في النهاية أقول وفق الفنان ( لعبدلي) إلى حد كبير في هذا العمل من ناحية التوازن وحسن توظيف اللون فنشعر بالراحة البصرية ونحن نتجول بين ثنايا ضربات الفرشاة وتدخلات بـ (السكينة) أحيانا لتعطينا سطحا وملمسا متميزا.
فاتح مرّاد (أستاذ بالمدرسة الجهوية للفنون الجميلة – باتنة)