كشفت زيارة اللجنة البرلمانية إلى كبرى المؤسسات الصحية بالعاصمة، حجم الكارثة التي يتخبط فيها القطاع الذي لم يعد مريضا فقط بل تفاقمت حالته، بفعل النقائص الكبيرة التي لا تزال تميز مشهده العام بدأ بالنقص الفادح في الإمكانيات، وصولا إلى الاكتظاظ الذي أصبح السمة الغالبية في مستشفيات العاصمة، ومرورا بمشاكل الإستعجالات وخصوصا مصالح الولادة، الأمر الذي يضرب كل جهود الإصلاح المزعومة ويؤكد فشل جميع السياسات السابقة لتحسين المنظومة الصحية.
وفي هذا السياق ترأست رئيسة لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني، البرلمانية عقيلة رابحي، لقاء تقييميا بمقر إدارة مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة، تعهّدت من خلاله بفتح نقاش واسع ومعمّق على مستوى لجنتها، بمشاركة جميع الفاعلين في القطاع الصحي، وهذا قصد رصد كل المشاكل والعراقيل التي يتخبّط فيها القطاع، والعمل على إيجاد الحلول اللازمة لها، بما يسمح ببناء منظومة صحيّة بخدمات راقية وتستجيب لتطلعات المرضى.
مشكل الاكتظاظ يؤرق مرضى مصطفى باشا
اتنقل وفد عن لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني، برئاسة رابحي عقيلة رئيسة اللجنة، الى مستشفى مصطفى باشا الجامعي، أين كان في استقبال الوفد بنانة عبد السلام، المدير العام للمستشفى، الذي أثني على الزيارة معربا عن أمله في ان يكون لها أثر إيجابي من حيث وقوف اللجنة ومعاينتها الميدانية لواقع الصحة في الجزائر، مما يسمح للسادة النواب باعتماد استراتيجية فعالة تهدف إلى تشريح الوضع بدقة واقتراح حلول ناجعة للمشاكل التي يتخبط فيها، بإشراك المختصين في القطاع.
في نفس السياق، قدم المدير العام عرضا عن مستشفى مصطفى باشا الجامعي، الذي يحتوي 48 اختصاصا و13 مصلحة استعجالات، وبما انه تابع للقطاع العمومي، فإن الدولة هي التي تتكفل بتمويله بالدرجة الأولى، حيث بلغت ميزانية تسيير المستشفى 10 ملايير دج سنة 2019، تندرج فيها أجور العمال، الأدوية، الصيانة… وفيما يخص التجهيز فقد أعطى السيد المدير العام مثالا عن مصلحة الولادة التي تبلغ طاقة استيعابها 104 سرير، وتخضع حاليا إلى عملية إعادة تأهيل وتطوير بمبلغ 30 مليار دج.
كما تطرق لبعض المشاكل القائمة التي لخصها في مشكل الاكتظاظ حيث تتجاوز مختلف المصالح طاقات استيعابها القصوى نتيجة لتوجه المرضى من مختلف مناطق الوطن نحوه بالرغم من توفر مستشفيات وعيادات متعددة الخدمات على مستوى الوطن، يمكنها تلبية حاجيات هؤلاء المرضى، مرجعا السبب الرئيسي في هذا إلى نقص التنظيم والتنسيق والتحويلات العشوائية من المؤسسات الاستشفائية الاخرى، وهذا، يقول المدير العام، ما يعيق المستشفى على القيام بمهامه الرئيسية المتمثلة في التكوين، البحث العلمي وتقديم العلاجات عالية الدقة والخطورة، وأعطى مثالا عن مصلحة الاستعجالات التي تستقبل مئات المرضى يوميا، 7% منها فقط من تحتاج حقيقة الاستعجال.
من جهتها أعربت رابحي عقيلة، رئيسة اللجنة، عن أملها في إيجاد ميكانيزمات عمل تستطيع اللجنة من خلالها التدقيق في جذور المشاكل التي يعاني منها القطاع، مؤكدة ان اللجنة بصدد التحضير لعقد أيام دراسية حول واقع الصحة بمشاركة أساتذة ودكاترة في الميدان بهدف الخروج بتوصيات ومقترحات تدفع بعجلة الصحة نحو الأفضل، داعية المختصين إلى المشاركة بفعالية فيها، كما ركزت على ضرورة تتبع التوصيات التي سترفع إلى الجهاز التنفيذي والإلحاح على تجسيدها.
مركز “بيار وماري كوري” لعلاج السرطان.. ضغط ونقص في التجهيزات
بعد جلسة العمل هذه، أجرى الوفد زيارة تفقدية عبر مختلف المصالح: استعجالات أمراض القلب، الجراحة العامة. كما التقى مسؤولي مركز مكافحة السرطان بيار وماري كوري، الذين قدموا شروحات حول عمل المركز حيث دعا مدير المؤسسة، بومزراق عمار، إلى إعادة النظر في القانون الأساسي الحالي لتسيير للمؤسسة الاستشفائية وضرورة تصنيفه ك”مركز وطني” كونه يستقبل أعداد كبيرة من المرضى من مختلف ولايات الوطن ويعاني من “اكتظاظ كبير”، حيث لا تسمح الميزانية المخصصة له بالتكفل وباقتناء الأدوية للمرضى بصورة ناجعة في حين تم إجراء 180 عملية زرع للنخاع العظمي وكذا 1800 عملية تخص سرطان الثدي خلال سنة 2019.
وأضاف أن المؤسسة الاستشفائية تعاني تشبعا وتتكفل بمرضى السرطان من مختلف ولايات الوطن حيث تتوفر على 3 مسرعات للعلاج بالأشعة فقط وهي غير كافية للتكفل بكل الحالات المسجلة، داعيا إلى ضرورة فتح مراكز صحية جهوية أخرى لمكافحة السرطان للتقليل من الضغط على مركز “بيار وماري كوري”.
وبدوره أبرز البروفيسور بوبنيدر محسن من ذات المؤسسة الاستشفائية أن الجزائر تشهد سنويا أزيد من 12.000 حالة جدية لسرطان الثدي وقد تتجاوز 18.000 حالة بحلول سنة 2025، كما أشار إلى ضرورة تحسين أجور أعوان الشبه طبي لتفادي النزيف باتجاه القطاع الخاص وضرورة التكوين في مختلف تخصصات الشبه طبي على غرار التصوير الطبي الذي يعاني نقصا إلى جانب تعويض جلسات العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان ضمن منظومة الضمان الاجتماعي على غرار مرضى غسيل الكلى.
مصالح الاستعجالات.. فوضى واحتقان
ولازال مصالح الاستعجالات الطبية بالجزائر تفتقد لأطر التسسيرالاداري والإنساني وكذا ومقاييس العالمية المعمول بها في المستشفيات العالمية، وقفتنا عبر بعض مستشفيات الجزائر العاصمة وبالتحديد في قسم الاستعجالات الطبية جعلنا نصطدم بالواقع المر الذي تشهده هذه الأقسام رغم كل الإصلاحات التي شهدها قطاع الصحة من أجل النهوض بالقطاع والرفع من نوعية الخدمات المقدمة به، فوضى، لامبالاة وسوء التنظيم
والمحطة الثانية للزيارة كانت مستشفى باب الواد الجامعي حيث كان في استقبال الوفد داتي نافع، المدير العام للمستشفى، الذي قدم عرضا حول المستشفى الذي يضم 32 مصلحة طبية وجراحية وأكبر مركز للأشعة في الجزائر ويستقبل أكثر من 450 حالة استعجالية يوميا ما يشكل ضغطا كبيرا على مصلحة الاستعجالات، مؤكدا ضرورة إنشاء مصلحة أكبر وأوسع منها كونها لم تعد تستجيب للطلب المتزايد عليها، قائلا أن المشكل القائم هو الوعاء العقاري.
ووقف الوفد خلال زيارته لمختلف مصالح المستشفى عند مركز التصوير بالأشعة الذي يعاني كذلك من نقص اليد العاملة المتخصصة ومع ذلك فهو يسجل حوالي 2000 تشخيص “سكانير” شهريا و1500 IRM ” كما تبلغ طاقة استيعاب المستشفى 600 سرير.
مستشفى (القطار) نقص اليد العاملة المختصة على أجهزة الأشعة
كانت المحطة الثالثة من الزيارة مستشفى الهادي فليسي (القطار)، أين زار الوفد مصلحة الاستعجالات ووقف على نفس المشاكل المطروحة سابقا من.
وفي الأخير أكدت عقيلة رابحي، رئيسة اللجنة، على ضرورة تضافر الجهود بين مختلف الفاعلين في القطاع لمد يد المساعدة لأعضاء الهيئة التشريعية، لتمكينهم من تشريح حقيقي للوضع وضبط مقترحات بناءة خدمة للصالح العام .
رفع مجموعة من المواطنين إلى وكيل الجمهورية بباب الوادي، شكوى ضد مدير مؤسسة القطّار والطاقم شبه الطبي بها، يستنجدون به لإيجاد حل للوضع المتأزم الذي وصلت إليه المؤسسة الإستشفائية المتخصصة في الأمراض المعدية، الهادي فليسي أو ما كان يسمى بـ “القطار” سابقا.
الياس مرابط لـ “الجزائر”:
“مبادرة لجنة الصحة تحتاج أن تترجم على أرض واقع”
أكد رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، الدكتور الياس مرابط، أن قطاع الصحة يعاني الكثير من النقائص التي أثرت كثيرا على الرعاية الصحية للمرضى، مضيفا بأن المواطن لازال يشتكي من تدني الخدمات الصحية، وصرف الدولة لأموال كبيرة وتداول عشرة وزراء لم يغير الوضع، ولم يحدث النقلة النوعية اللازمة، وهو ما يعني أن إصلاح المستشفيات لم ينجح وهو بحاجة إلى مراجعة، لكن كيف ستكون هذه المراجعة أو بالأحرى التقييم، في غياب إرادة سياسية ووجود لوبيات تعمل على إفشال المنظومة الصحية؟. وأوضح مرابط أن الصحة العمومية في الجزائر لا زالت تعيش وضعا سيئا متأزما، وما يبرر ذلك هو هروب المسوؤلين الى الخارج.
وأضاف أن النقابة قد رفعت “تقارير سوداء”، عن الهياكل الصحية الجديدة، منتقد النقص الفادح في التعداد البشري والعتاد والمستلزمات الطبية، وكذا غياب الأمن، “ما يؤدي إلى تعرض الأسلاك الطبية لاعتداءات متكررة ومهينة بالعديد من الولايات”.
واستغرب إلياس مرابط، “كيف للجماعات المحلية، منها البلدية والولاية أن تشارك في تمويل الصحة في إطار برامج الاستثمار وبرامج الوقاية وحفظ الصحة والتربية من أجل الصحة”، مؤكد أن الصحة في الجزائر يتيمة ليس لديها من يتولاها .
وفيما يخص تنقل وفد عن لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني، في زيارات ميدانية إلى مؤسسات استشفائية بالعاصمة أكد مرابط ان مبادرة تحتاج الى أن تترجم إلى أرض واقع.
فلة-س