يمتلك الإعلام قوّة رهيبة في التأثير في المتلقّي بمختلف شرائحه، وخلق ذائقة معينة لديه وتوجيهه إلى حيث يريد الوصول، خاصّة ما تعلّق بالفئة غير المثقّفة أو فئة الأطفال والمراهقين،ولعلّ ما يطغى على إعلامنا العربي عموما والجزائري على وجه التحديد ،تلك البرامج الإعلامية الرياضيّة إذ تخصّص لها القنوات والجرائد والحصص والصفحات الرياضية وبعناوين وتسميات متنوعة،حتّى أنّ كرة القدم صارت هاجسا لدى الشعوب بسبب الإعلام، ويمكن لشاب أو مراهق ان يسرد عليك الكثير من أسماء اللاعبين وأعمارهم وصفقات تنقلاتهم بالدولار والأورو والجنيه الاسترليني والدينار !و وامّ الدواهي وقاصمة الظهر أنّه قد يحفظ رقم أحذيتهم وعدد صديقاتهم والبطولات التي نالوها والأهداف التي سجلوها والتمريرات التي قاموا بها.
وعلى النقيض من ذلك تكاد البرامج التربوية تكون منعدمة في شاشات قنواتنا أو صفحات جرائدنا أو أُثير إذاعاتنا وطنية كانت أو جهويّة، اللّهم بعض البرامج المتناثرة هنا وهناك ،وهذا ما يطرح الكثير من التساؤلات عن هذه الذائقة الإعلامية الجديدة التي فرضها وتشبّع بها إعلامنا ،فبدل أن يعكف على تخصيص برامج تعنى بالتربية وانشغالاتها ،ويخدم المدرسة الجزائريّة بمحاورها الثلاث (المتعلم والمعلم،والبرامج التعليمية) راح يركّز على برامج أخرى قد تكون هدّامة لقيم وثوابت دينية واجتماعية رغبة في البحث عن الشهرة والإشهار فكل ممنوع مرغوب في عرف بعض من هذا الإعلام ،وهو مع الأسف ــ واقع نشاهده يوميا عبر بعض القنوات الخاصّة ،وليس هذا اتّهاما لتلك القنوات بقدر ما هو حقيقة معلومة مرئية ومسموعة ومكتوبة .
ومن الغريب جدّا أن تمرّ مشكلات التربية في تقارير إخبارية على عجل وغالبا ما تكون تلك التقارير ساخنة تبحث عن خلق الجدل والتشكيك في المدرسة بدل البحث عن حلول، أو دراسة المشكلات بجدّية، إذا، تبقى نظرة إعلامنا نحو التربية قاصرة إلى أبعد الحدود،إذ يراها أمرا ثانويا لا يستحق المتابعة في حين ان الاهتمام به صار امرا ملخا للغاية لما له من قوة في تنوير المجتمع ومحاربة كلّ ما من شأنه أن يذيب شخصية التلميذ في عوالم اخرى قد لا تكون ملائمة .ولقد أصبحت وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة منافسة للأسرة والمدرسة معا، فهي بلا شك تساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في التنشئة الاجتماعية،من هنا،يمكن القول: إنّ هناك أرضية مشتركة بين الإعلام والمدرسة إذ إنّ الإعلام عملية تربويّة في بعض جوانبه.
وصحيح أن الإعلام التربوي لا يرتبط فقط بالصحافة عموما بل بالكتاب والمكتبة والأنترنت وغيرها من التقنيات الحديثة إلا أنّ النشاط الصحفي والإذاعة المدرسية من أهم الأنشطة التي ينبغى لها أن تثري عالم التربية؛ فهي تعجب التلاميذ وتصقل شخصياتهم وتبني وعيهم ولكنها كما أشرت سابقا تبقى حلقة مفقودة.
لابد إذا، على المسؤولين في إعلامنا أن يأخذوا على عاتقهم تطوير وبعث الإعلام التربويّ الذي من شأنه أن يشرح السياسات التربوية للبلد ويوضّحها في إطار من الشفافية مع المختصّين؛ لتحقيق جانب التّفاعل بين المدرسة وشركائها الاجتماعيين ،وبعث جودة التعليم ،كما أنّه دعامة أساس بين البيت والمدرسة،وعنصرا مهمّا في تنمية الذوق الفنّي والشّعور بالجمال ودعم الهوايات وتشجيع البحث العلمي والثقافي،وليس هذا فحسب ؛بل يعيد للمدرسة دورها الرّيادي المنوط بها في التّربية والتّعليم وتنمية روح التّعاون والعلاقات الاجتماعية بين المجتمعات فمتى تصبح المدرسة أهمّ من الملاعب؟
وليد شموري