تتجاذب الدبلوماسيتان الفرنسية والإيطالية في الآونة الأخيرة حول الملف الليبي وتقع الجزائر في الوسط بين هذين البلدين الأوربيين الذين يجمعهما الاتحاد الأوروبي وتفرقهما خصومة تاريخية وسياسية إضافة إلى تضارب المصالح في ليبيا ومنطقة شمال إفريقيا والساحل وقضية مكافحة الهجرة غير الشرعية.
• الجزائر ستشارك في “مؤتمر باليرمو”
خرج الصراع الفرنسي-الإيطالي إلى العلن بعدما تحدثت وزيرة الدفاع الإيطالية “إليزابيتا ترينتا” في تصريحات مثيرة أوائل شهر جويلية الماضي، قالت في معرض تحذيرها لنظيرتها الفرنسية، فلورنس بارلي “لنكن واضحين،، القيادة في ليبيا لنا”، هذا الكلام من عضو في الحكومة الإيطالية موجه لعضو آخر في حكومة فرنسا دلّ بصورة واضحة على أن الخلاف بين روما وباريس وصل إلى نقطة اللاّرجوع، وأن ليبيا ستكون إحدى الأوراق المبعثرة في ساحة الصراع بين البلدين للتنافس حول النفوذ الاقتصادي والسياسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفي السياق ذاته، تحاول الدبلوماسيتان الفرنسية والإيطالية في إطار منافسة محمومة بينهما تدور حول من يتحكم في مفاتيح الحل والربط في الأزمة الليبية، كسب المزيد من الداعمين في منطقة شمال إفريقيا وعلى رأس هذه البلدان تقع الجزائر كأحد أكبر الدول المجاورة لليبيا، وهي التي تمسك الحبل من الوسط وترفض أن تقف إلى جانب طرف دون آخر سواء أكان هذا الطرف دوليا أو إقليميا أو حتى داخليا في جارتها ليبيا، متمسكة بالشرعية الدولية وبخطة المبعوث الأممي السيد غسان سلامة.
وبعدما انتقل وزير الخارجية والتعاون الدولي الفرنسي، جون إيف لودريان، قبل أيام إلى تونس حيث التقى رئيس التونسي الباجي قايد السبسي ووزير الخارجية خميس الجهيناوي، لبحث الحشد الدبلوماسي المغاربي لصالح النظرة الفرنسية للحل في ليبيا المتمخضة عن مؤتمر باريس المنعقد في ماي الفارط، وفي نفس إطار التحركات الدبلوماسية يستقبل جون ايف لودريان، قبيل عقد إيطاليا مؤتمر باليرمو في 12 و13 من شهر نوفمبر الداخل، وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل في باريس، وستكون المسألة الليبية على رأس أجندة اللقاء الأسبوع المقبل.
وفي الاتجاه ذاته، يقوم رئيس الحكومة الإيطالية، جوزيبي كونتي، بزيارة إلى الجزائر مطلع الشهر المقبل، وحسب مصادر متطابقة فإن الزيارة لها علاقة مباشرة بمؤتمر باليرمو الذي تعول روما على إنجاحه، عقب زيارات سابقة لنائب رئيس الحكومة سالفيني إلى القاهرة وتونس تناولت الملف نفسه، وهي تحركات تأتي في سياق كسب دول الجوار الليبي إلى صفها وعلى رأس هذه الدول الجزائر التي تلتقي مع ليبيا في حدود طويلة تفوق 700 كم معرضة لمخاطر أمنية دائمة، كما أن الجزائر تتطابق نظرتها إلى حد ما مع موقف إيطاليا بخصوص ليبيا خاصة أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يترأسها فائز السراج، في الوقت ذاته، تعيش العلاقات الجزائرية الفرنسية مرحلة “باردة” بعد تبادل رفع الغطاء الأمني عن سفارتي البلدين وقنصلياتهم، بعد خطوة أولى من الجانب الفرنسي، ردت عليها الجزائر بمبدأ المعاملة بالمثل.
ووفق تسريبات إعلامية إيطالية، فإن الجزائر ستكون حاضرة في مؤتمر باليرمو، شهر نوفمبر القادم، مثلما حضرت مؤتمر باريس عن طريق مشاركة الوزير الأول أحمد أويحيى الذي مثل الرئيس بوتفليقة وأشاد بمخرجات اللقاء.
• خلاف جزائري- فرنسي وتقارب مع الإيطاليين
وفي الوقت نفسه، تتحدث مصادر إعلامية فرنسية، على وجود خلاف جزائري-فرنسي حول الأزمة الليبية راجع إلى عدة أسباب لها علاقة بالوضع الجيو-سياسي وتفاعلاته المختلفة، في هذا الشأن أوضحت صحيفة “تي تي يو” الفرنسية المتخصصة في الإستراتيجية والدفاع، أن الملف الليبي ومنطقة الساحل الإفريقي ستكون ضمن مباحثات رئيس الحكومة الإيطالية، جوزيبي كونتي، خلال زيارته للجزائر مطلع نوفمبر المقبل.
وأرجعت الصحيفة الفرنسية، أسباب ميل الجزائر دعم السياسة الإيطالية في ليبيا، لـ “امتعاض” الحكومة الجزائرية من “عدم اتخاذ فرنسا أي تدابير لمنع تحرك أعضاء من الحركة الوطنية لتحرير أزواد بين شمال شرق مالي وجنوب ليبيا، وكذلك مساعي باريس لتأسيس قاعدة عسكرية في شمال مالي”، وأضافت أن هناك تحفظات جزائرية على “تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، جيرار كولومب، (استقال مؤخرا) حين اقترح إنشاء آلية أوروبية مع الجزائر والمغرب لإدارة ملف المهاجرين في مقابل الحصول على الدعم المالي لهذين البلدين”.
وكان الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، والمبعوث الأممي السابق إلى سوريا، في تصريحات إلى برنامج للإذاعة الوطنية، قد هاجم فرنسا بشدة بسبب تدخلاتها في المنطقة، حيث قال “ليبيا ذهبت ضحية تدخل أجنبي بتحريض من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي”، ورغم أن تصريح الإبراهيمي لا يكلف إلا شخصه، بما أنه حر من أي التزام مع الحكومة الجزائرية، إلا أنه يشير إلى أن بعض الدوائر السياسية الجزائرية لم تغفر عملية إسقاط نظام القذافي بتلك الطريقة العنيفة التي رفضتها الجزائر آنذاك لما لها من تداعيات أمنية، ودعت إلى حل سلمي للأزمة.
• روما تريد مكافحة الهجرة غير الشرعية
ومن المنتظر، أن لا يشكل مؤتمر باليرمو في إيطاليا أي إضافة جدية لحل الأزمة الليبية المعقدة والمتداخلة مع عدة ملفات دولية، ما عدا أنه سيؤكد على موقف الحكومة الإيطالية بخصوص تأجيل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية التي طالب بها مؤتمر باريس، في غضون شهر ديسمبر القادم، وإذا أجلت روما الانتخابات في ليبيا فإن ذلك يعتبر بمثابة نجاح كبير للدبلوماسية الإيطالية في صراعها مع نظيرتها الفرنسية.
وتقع قضية “الهجرة” غير الشرعية، على رأس أولويات الخلاف بين إيطاليا وفرنسا، حيث أن الحكومة الإيطالية الحالية اليمينية المتطرفة انعكس ذلك على سياستها مع مشكلة المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول جنوب المتوسط وعلى رأسهم القادمين من ليبيا، وتقول تقارير بحثية أن “احتياجات روما الملحة في كبح تدفقات المهاجرين، وتأمين إمدادات الغاز والحفاظ على علاقات اقتصادية مع طرابلس ومصراتة، تجبرها على إقامة علاقات أوثق مع غرب ليبيا”، على عكس باريس التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع شرق ليبيا وحاكمه القوي المشير حفتر، خاصة أنه في قضية الهجرة، يظل موقع غرب ليبيا هو نقطة انطلاق أغلب المهاجرين الأفارقة في رحلتهم عبر البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا، وبالتالي فإن معالجة مشكلة الهجرة ستكون على رأس جدول أعمال المؤتمر كما يريد الإيطاليون.
إسلام كعبش