أحدث ظهور وباء الكوليرا حالة من الغموض لدى الرأي العام، الأمر الذي نجم عنه حالة من التيه العام جراء عدم معرفة المواطن إن كان ماء الحنفية أو ماء منبع سيدي الكبير بحمر العين، أو المنتجات الفلاحية هي من تقف وراء انتشار الوباء الذي يبدو حاليا أنه متحكم فيه، فلا الوزير الأول أحمد أويحيى كلف نفسه عناء مخاطبة المواطنين لتشريح الوضع، ولا وزارة الصحة ابتداء من الوزير ذاته نجحت في أن تبين مصدره الحقيقي بأدلة دامغة، بل أكثر من ذلك ظلت المعلومات المتواترة تراوح مكانها، فبين تصريحات الوزير مختار حسبلاوي التي يقول فيها أن سبب الوباء هو مياه منبع سيدي لكبير ببلدة حمر العين التابعة لولاية تيبازة، ورد السكان الذين تحدوا الوزارة عبر الشرب من المنبع نفسه، دون أن يصيبهم مرض الكوليرا، وبين خرجة المؤسسة الجزائرية للمياه التي أكدت صحة المياه وعدم تلوثها، إلى وزارة الفلاحة التي نفضت يديها من الوباء، يبدو المواطن مشتتا وتائها بين الشائعات والمعلومات الصحيحة.
تضارب في الأخبار، وكثرة للإشاعات يقابله صمت مطبق من قبل الجهاز التنفيذي، كانت نتيجته هلع وخوف وسط مواطنين أملهم الوحيد أن تبين لهم الحكومة مصدر وباء الكوليرا.
الكوليرا مرت من هنا…
لم يكد ينتشر الوباء في الولايات الكبرى كالعاصمة والبويرة، حتى سارع المواطنون هلعا لمقاطعة شرب مياه الحنفية، والتوجه نحو اقتناء قارورات المياه التي تباع في المحلات، متوهمين أن مصدر الكوليرا هو تلوث مياه الحنفية، الأمر الذي حرك السلطات العمومية التي حققت في القضية، ليتبين لها أن تلوث المياه إشاعات لا أساس لها من الصحة، وما هي إلا سويعات حتى خرج المدير العام لمؤسسة الجزائرية للمياه إسماعيل عميروش ليفند الإشاعات، متخذا وكالة الأنباء الجزائرية منبرا لمخاطبة المواطنين، قائلا إن “مياه الحنفيات الموزعة عبر الشبكات العمومية لمؤسستي الجزائرية للمياه و سيال عبر كافة التراب الوطني مراقبة بشكل يومي و هي صحية و صالحة للشرب و من نوعية جيدة” رافضا إقامة أي صلة بين هذه المياه و وباء الكوليرا الذي كان قد تسبب في بدايته بوفاة شخصين بالبليدة و تسجيل 46 حالة مؤكدة ضمن 139 حالة أدخلت المستشفى.
الوباء في منبع سيدي الكبير والسكان يكذّبون وزارة الصحة !
ما هي إلا مدة قصيرة من خرجة المدير العام لمؤسسة الجزائرية للمياه، حتى نزل بيان من وزارة الصحة يؤكد سلامة مياه الصنابير وصلاحيتها للشرب، بعد شائعات سربت عن تلوثها بالكوليرا، معطيا تفاصيل جديدة عن حيثيات انتشار الوباء، كاشفا أن سبب ظهور الكوليرا بالجزائر هو تلوث أحد منابع المياه، بولاية تيبازة غرب العاصمة الجزائر، وعلى ضوئه تم منع استهلاك مياه منبع سيدي لكبير ببلدة حمر العين التابعة لولاية تيبازة، بعدما أثبتت التحاليل تلوثها بالبكتيريا المسببة للوباء، وهو الأمر الذي لم يتقبله سكان بلدية حمر العين الذين تحدوا وزارة الصحة وأقدموا على شرب المياه التي أبدت مصالح حسبلاوي مخاوفها منه، لتظل بذلك الشائعات تغذي الساحة الوطنية.
وزارة الفلاحة تنفض يديها من الكوليرا
وفي خضم الجدل الدائر حول مصدر انتشار وباء الكوليرا وتزايد انتشار الإشاعة، وبين تشكيك سكان حمر العين في معلومات وزارة الصحة، اضطرت وزارة الفلاحة للتحقيق فيما إن كانت المياه التي سقيت بها المنتجات الفلاحية سببا في انتشار الوباء، لتخرج مصالح بوعزقي بنتيجة مفادها أن مصدر الكوليرا بعيد عن قطاع الفلاحة، مشددة على أن “مصادر المياه التي امتصتها النباتات الزراعية لا تشكل خطرا على المواطن حيث لا تشكل الخضر و الفواكه بيئة مناسبة لنمو و انتشار جراثيم الكوليرا” ، كاشفة ان المديريات الفلاحية في كل الولايات تبقى مجندة لمراقبة طرق و نوعية سقي المحاصيل الزراعية، مشيرة أن أساليب غير مشروعة تعتمد على السقي بمياه الصرف الصحي هي حالات معزولة يتم رصدها من قبل لجان المتابعة المحلية الذين لا طالما تصدوا لهذه الظاهرة بالاعتماد على إجراءات ردعية ومتابعات قضائية.
حسبلاوي يريد القضاء على الكوليرا في ثلاثة أيام دون معرفة مصدره !
حالة التيه ظلت تلازم المواطنين مما رفع حجم مخاوف كثيرين، الأمر الذي استنطق وزير الصحة مختار حسبلاوي، أين سارع لتطمين المواطنين من مستشفى البليدة عبر الإدلاء بتصريح غريب قال فيه أن وزارة الصحة ستقضي على داء الكوليرا في ثلاث أيام، ليضيف أيضا انه سيتم القضاء على الوباء قبل الدخول المدرسي المقبل، على الرغم من أن مصالحه لازالت لم تعرف المصدر الحقيقي للكوليرا على الرغم من تأكيدها انه من منبع سيدي لكبير ببلدة حمر العين.
مصدر الكوليرا مجهول والاتصال المؤسساتي غائب !
في خضم زخم المعلومات المتواترة حول انتشار وباء الكوليرا في الجزائر، وفي ظل سرعة انتشار الإشاعات على نطاق واسع، بات الكثير يتساءل عن الصمت الطبق من قبل السلطة التنفيذية التي لم تكلف نفسها عناء مخاطبة المواطنين وتشريح الوضع، حيث اقتصر الاتصال المؤسساتي على تصريح شحيح من قبل وزير الصحة لم يكن موفقا بالمرة، أو بيانات مقتضبة في أحسن أحوالها تنفي بعض الأخبار الرائجة.