• الخبير الاقتصادي عبد الرحمن عية: “عدم معالجة الأزمة الاقتصادية سبب هشاشة الحكومة”
يعيش الجهاز الحكومي حالة من عدم الاستقرار سواء في الشكل أو المضمون، بعد موجة من التعديلات على مستوى رأس هرم الجهاز التنفيذي باشرها رئيس الجمهورية بعد الانتخابات التشريعية في ماي من العام الماضي، باستبدال عبد المالك سلال بوزيره للسكن عبد المجيد تبون وانتهاء بإعادة أحمد أويحيى الذي يعيش أسوأ أيامه على رأس الحكومة بعد اتخاذه لإجراءات حساسة كالخصخصة ومنع استيراد المواد الغذائية والتعاون مع القطاع الخاص.
يبدو أن الوضع الحكومي في الآونة الأخيرة لم يعد كما كان في السابق على الأقل قبل فترة الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، الذي استطاع إدارة خمسة تغييرات حكومية منذ 2012 إلى غاية الدفع به خارج منظومة الحكم استطاع خلال خمسة سنوات من التعبير على وفاءه الدائم للرئيس بوتفليقة في ظل الريع الذي كانت تنعم فيه ميزانية الدولة حيث استطاعت تحقيق العديد من الإنجازات الاقتصادية في ظل البحبوحة المالية، وأنهى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مهام وزيره الأول ” الوفي ” الذي سبق وأن أدار له حملاته الانتخابية عبد المالك سلال مباشرة بعد انتهاء استحقاق الانتخابات التشريعية لـ7 ماي 2017 بمرسوم رئاسي، وكان سلال قد أدار مهمة سياسية فاشلة في أيامه الأخيرة في إطار توسيع دائرة المشاركة الحكومية من خلال محاولة إقناع حركة مجتمع السلم الإسلامية للدخول مجددا في الحكومة، لكن الجناح الراديكالي داخل الحركة رفض العودة إلى قصر الدكتور سعدان، خاصة أن السلطة كانت بحاجة لتوريط أحزاب سياسية معها في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، الذي كان يحتاج إلى ضخ دماء جديدة في الطاقم الحكومي، وبعد ذلك تمت إقالة عبد المالك سلال الذي عمر أكثر من خمسة سنوات كاملة على رأس الجهاز التنفيذي وأدار الحملة الرئاسية للرئيس بوتفليقة في 2014 بمعية أحزاب الموالاة. وتم تعيين وزير السكن والعمران عبد المجيد تبون في إجراء مفاجئ لإدارة الحكومة خلفا لسلال، لكن ” الحرب ” التي أعلنها عبد المجيد تبون ضد رجال الأعمال المنخرطين في ” الأفسيو ” في إطار ما سماه بـ ” حملة فصل المال عن السياسية ” ثم انتقاله إلى باريس، خلال عطلته ولقاءه نظيره الفرنسي إدوارد فيليب أمور عجلت بإقالته بالضربة القاضية من طرف الرئيس بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه المسؤولية، وحسب مصادر حكومية فإن الإقالة جاءت بسبب ” عدم التوافق بين رؤية الرئيس والوزير الأول ومشكل في التواصل بين الجانبين “، ما فتح التأويلات واسعا حول نفوذ ما تسميه رئيسة حزب العمال لويزة حنون ” الأوليغارشية السياسية ” وذهب البعض من المعارضة كجيلالي سفيان رئيس حزب ” جيل جديد ” لوصف إقالة عبد المجيد تبون بـ ” الانقلاب الأبيض “، ولكن الأمر الثابت لتفسير هذه الوضعية أن الوضع الاقتصادي للبلاد يعتبر أحد أكبر الأسباب في إحداث هذا الخلل الذي صار مزمنا في العلاقة بين الوزير الأول ورئيس الجمهورية الذي يعتبر بنص الدستور الرئيس الأول للجهاز التنفيذي فيما يخص عملية اتخاذ القرار، وكذلك بما أن الحكومة أيضا تسهر على تطبيق برنامج رئيس الجمهورية.
ومثلت عودة أحمد أويحيى لإدارة مفاصل الحكومة غداة إنهاء مهام تبون، إيذانا بمرحلة جديدة من تعامل السلطة مع الواقع الاقتصادي بشدة وحزم، وفرض سياسة تقشف نظرا للخبرة الطويلة لأويحيى على رأس الحكومات المتعاقبة حيث سبق له ترأس الجهاز التنفيذي في عز الأزمة الاقتصادية والأمنية أواخر التسعينيات، ومباشرة بعد تعيينه حمل أويحيى في حقيبته جملة من الإجراءات الإستعجالية لمجابهة وضع مالي بالغ الصعوبة، ومن بين تلك الإجراءات الاقتصادية التوجه نحو عملية طبع العملة والاقتراض من البنك المركزي ” سياسة التمويل غير التقليدي “، وهذا للحفاظ على الاستقلال المالي ومواصلة التنمية، لكن هذه القرارات سرعان ما فتحت عليه أبواب جهنم خاصة من طرف الخبراء المستقلين والمعارضة التي اتهمته بالتوجه نحو فرض سياسة تقشفية يدفع من خلالها المواطنون الثمن جراء انهيار مداخيل الدولة من العملة الصعبة، هذا الأمر تم التأكد منه من خلال قانون المالية 2018، أما لقاء الثلاثية بين الحكومة ومنتدى رجال الأعمال والمركزية النقابية الذي فتح الباب لما سمي بالشراكة بين القطاع العام والخاص من خلال توقيع ميثاق تعاون بين القطاعين العام والخاص، عبر السماح للخواص في الدخول في رأسمال الشركات المملوكة للدولة، فقد أكد أن التسيير الاقتصادي لا يزال هو المحرك الأساسي للحكومة في الوقت الراهن، لكن هذا الإجراء الجديد فتح سجالا حاد بين مؤيد ومعارض، ما جعل الرئيس بوتفليقة يتدخل لوضع حد للتضارب ويدعو في تعليمة لوزيره الأول إلى تذكيره بضرورة المرور عليه كرئيس للجمهورية قبل الخوض في أي خصخصة لمؤسسة عمومية مهما كانت، وسيخضع تطبيق الإجراءات المتضمنة في الميثاق حول الشراكة المؤسساتية المتعلقة بفتح رأس مال المؤسسات العمومية الاقتصادية للقطاع الخاص للموافقة المسبقة لرئيس الجمهورية، و ذلك سواء في إطار مشروع فتح رأس المال أو تنازل عن الأسهم إلى غاية القرار النهائي، وتضاربت الآراء مجددا في تفسير هذه التعليمة الرئاسية، بين من يراها تعليمة ستعجل برحيل أحمد أويحيى من الحكومة بسبب تجريده من صلاحية تسيير الشركات العمومية رغم أنه رئيس مجلس مساهمات الدولة وهي الهيئة التي تشرف على كل المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة وإعادتها للرئيس بوتفليقة، وبين من قرأها في خانة تصويب لعمل الوزير الأول وغطاء سياسي له تعفيه من تحمل إجراءات خوصصة المؤسسات العمومية. وسبق أن نفى أحمد أويحيى مؤخرا، نية الرئيس بوتفليقة التخلي عليه أو وجود تغيير حكومي، بالرغم من تأكيده أن الأمر يبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية.
وحسب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن عية فإن ” عدم المعالجة الجذرية للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد هي أحد أهم الأسباب للوضع الهش الذي تعيشه الحكومات المتعاقبة “، وأكد الدكتور عبد الرحمن عية في تصريح لـ ” الجزائر ” أن ” سياسية الخوصصة ليست جديدة وقد بدأت سنة 1995 ودامت إلى غاية 2005 ولم تعط ثمارها الحقيقية “. ونفى الخبير الاقتصادي أن يكون المؤشر الاقتصادي سبب في رحيل الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون أو ما يحدث اليوم مع خلفه أحمد أويحيى، معتبرا الصراع أو التعامل مع رجال الأعمال ” قضية سياسية “.
إسلام كعبش
الرئيسية / الاقتصاد / خيارات متناقضة لأزمة مالية واحدة:
مواجهة الوضع الاقتصادي تهدد الاستقرار الحكومي
مواجهة الوضع الاقتصادي تهدد الاستقرار الحكومي
خيارات متناقضة لأزمة مالية واحدة:
الوسومmain_post