طفى الاهتمام في السنوات الأخيرة دوليا ووطنيا بالمالية الإسلامية بعد أن أثبتت الأنظمة المالية التقليدية عجزها عن إيجاد حلول لأزمات من صنع منظومتها الداخلية التي غالبا ما تؤدي إلى الانسداد مثل ما حدث مع الأزمة المالية العالمية عام 2008، حتى أن مطلب إدراج الشريعة الإسلامية في التعاملات المالية خرج من المنظور الفقهي والوعظي التقليدي لعلماء الدين الإسلامي لتتبناها مؤسسات مالية وحكومات وحتى مفكرون اقتصاديون. وفي الجزائر تبنت الحكومة فكرة تعميم المالية الإسلامية والخوض في تجارب جديدة وإطلاق منتوجات مبتكرة في هذا المجال. في هذا السياق التقينا المدير العام لترست الجزائر الأستاذ عبد الحكيم حجو وهو خبير وباحث في المالية الإسلامية ليحدثنا عن واقع إدراج المالية الإسلامية في محيطنا الاقتصادي الجزائري فكان لنا معه هذا الحوار
شاركتم مؤخرا في ملتقى نظمه المجلس الإسلامي الأعلى حول الصيرفة الإسلامية هل بإمكانكم تقديم نبذة عن المالية الإسلامية بمختلف أشكالها في مجالي التأمينات والصيرفة وكيف تم إنتاج هذا التوجه في التعاملات المالية وما الذي أملى ذلك؟
في الواقع، لم يعن الملتقى فقط بالصيرفة الإسلامية ولكن بكل جوانب المالية الإسلامية التي تعرف تحت اسم المالية البديلة في بعض الدول. والصيرفة والتأمين جزآن من النظام المالي الإسلامي الذي كانت انطلاقته من بيت مال المسلمين، حيث يعتبر أول مؤسسة مالية تتولى شؤون المسلمين ورعاية متطلباتهم الاجتماعية وأيضا الجانب الأمني والإداري للدولة الإسلامية آنذاك. حيث كان يقوم بيت المال بالتمويل اللازم للمجتمع.
أما في العصر الحديث وبعد أن تغيرت ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومع ظهور النقود الورقية التي عوضت الدينار الذهبي والدرهم الفضي اللذين كانت لهما قيمة ثابتة أي وزن محدد من المعدن النفيس، ظهرت الحاجة إلى وجود مؤسسات مالية تلبي متطلبات المجتمع خاصة في مجال التمويل، وقد شجعها في ذلك ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الطلب على الأموال اللازمة للتطور الصناعي والتجاري، ومن هنا بدأت المعاملات الربوية تأخذ أحجاما معتبرة في كل دول العالم بما فيها الدول الإسلامية التي كانت مستعمرات لهذه الدول الامبريالية. وبعد نجاح الحركات التحررية الأولى واسترجاع السيادة بدأت أصوات تنادي بضرورة التحرر أيضا من الاستعمار المالي ووضع الصبغة الإسلامية في التنمية الاقتصادية التي تنبثق بدورها من النظام الاقتصادي الإسلامي والفكر الاقتصادي الإسلامي كجزء لا يتجزأ من الإسلام أي أن المالية الإسلامية جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي والأخير جزء من نظام الإسلام الشامل الذي يقوم على عناصر أربعة هي (العقائد – الأخلاق – العبادات – المعاملات ) كوحدة واحده في حياة الإنسان المسلم.
ولقد كانت للمساهمات في تناول القضايا الرئيسية التي طرحتها قضية المصارف والأعمال المصرفية من منظور الفكر الإسلامي، دور كبير في بناء تصور لنموذج غير ربوي للمصرف الحديث في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات، وقد كان أول ظهور لمصرف ادخار محلي في عام 1961 بقيادة المرحوم الدكتور أحمد النجار في قرية ميت غمر بمحافظة الدقهلية بجمهورية مصر العربية وتبعه بعد ذلك إنشاء بنك دبي الإسلامي الذي تأسس في عام 1975 ومنذ ذلك التاريخ ازداد عدد هذه المؤسسات إلى أكثر من 375 عبر العالم وأظهرت المؤشرات المالية في عام 2016 استمرار نمو المالية الإسلامية، حيث تشير أحدث التقارير إلى أن حجم أصول المالية الإسلامية بلغ في نهاية عام 2015 نحو 2.4 تريليون دولار، بعد أن كان 2.1 تريليون دولار في عام 2014 ومن المتوقع أن يصل إلى 3.4 تريليون دولار خلال عام 2018، ليبلغ بذلك حجم أصول البنوك الإسلامية منها 1.2 تريليون دولار والصكوك 280 مليار دولار والصناديق لاستثمارية الإسلامية 51 مليار دولار والتكافل 28 مليار دولار.
تعرف الصيرفة الإسلامية في الجزائر اهتماما خاصة في الآونة الأخيرة. فيم يظهر هذا الاهتمام في نظرك وما الذي دفع السلطات العمومية إليها؟
منذ تأسيس بنك البركة الجزائري سنة 1990 الذي يعتبر أول بنك إسلامي بالجزائر، ثم بنك السلام الذي تحصل على الاعتماد في 2006, تواجه البنوك الإسلامية العاملة في الجزائر عقبات حالت دون انتشارها، لاسيما في ظل افتقارها إلى نظام تشريعي وتنظيمي يرسم معالم الصيرفة الإسلامية في الدولة الجزائرية وتمكينها من طرح منتجات تستقطب المواطن الجزائري، ولذلك كان الدفع من طرف السلطات العمومية من أجل تفعيل هذا النوع البديل من المنتجات البنكية بغية استقطاب الادخار وجزءا من أموال السوق الموازية التي عجزت الدولة والبنوك لحد الآن عن استقطابها ومن ذلك إمكانية معالجة جزء من العجز في الموازنة. ما أدى بالسلطات العمومية إلى البحث عن قنوات جديدة تتماشى مع معتقدات المجتمع الجزائري وذلك عن طريق تجميع الكتلة النقدية المتوفرة في السوق الموازية من أجل ضخها في عجلة التنمية. لكن لابد من التأكيد أن هذه العملية ليست الحل الكلي لامتصاص الكتلة النقدية لأن هناك عوامل أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار لاسيما طرح البنوك لمنتجات وفق الهندسة المالية وتوطيد الثقة بين المواطن والبنوك.
منذ إعلان الوزير الأول ووزير المالية العام الماضي إدخال الصيرفة الإسلامية في البنوك التقليدية يبدو أن العملية تعرف تباطؤا. إلى ماذا يعود هذا التأخر هل هو متعلق بالخيارات السياسية أم بثقل البيرقرواطية أم بأسباب تقنية؟
إن وضع نظام مالي إسلامي يحترم القواعد الإسلامية ويلتزم بمبادئ الشريعة في المعاملات المالية يستلزم وضع تشريعات خاصة وقواعد محاسبية تأخذ بعين الاعتبار هذه الخصوصيات، وهذا ما يعكف عليه بنك الجزائر في الوقت الحالي وتم إدراجه في التعليمة الأخيرة التي أصدرها، الخاصة بالمالية البديلة، وإن تأخر في بعث العملية يرجع أساسا لجملة من الإجراءات التي ترافق إطلاق الصيرفة الإسلامية على مستوى البنوك وضرورة وضع آليات ائتمانية خاصة بهذا النوع من الخدمات لضمان حماية للمواطن من جهة والخزينة العمومية من جهة أخرى وحفاظا على الأموال الموجودة بخزينة البنوك من جهة ثالثة ولضمان عدم تسجيل مخاطر، فالبنك المركزي الجزائري يجب أن يأخذ كافة احتياطاته وهو ما يلزمه اليوم بتبني جملة من الإجراءات الاحترازية. ولذلك تطلب كل هذا بعض الوقت. ومن جانب آخر هذا التريث إيجابي حيث سيسمح بدراسة تجارب أسواق الدول المجاورة على غرار تونس والمغرب.
هل بإمكان اعتماد وتعميم التعاملات المالية الإسلامية أن يؤثر إيجابا على الكتلة النقدية التي تصرف خارج القنوات المؤسساتية والرسمية؟ كيف ذلك؟
حسب الأصداء لدى المواطنين فهم ينتظرون هذه المنتجات بشغف كبير وهو ما كان ملحوظا في ما يخص التمويل حيث لقي منتوج المرابحة رواجا كبيرا في قروض الاستهلاك، أما فيما يخص الاستثمار فالأيام القادمة كفيلة بأن تجيب لنا على هذا الطرح.
هل يمكن تصور نجاح التمويلات الإسلامية خارج إصلاح مالي شامل وبعبارة أخرى هل يمكن للنظام المالي التقليدي كما هو عليه الآن في الجزائر أن يساير مفهوم التمويل الإسلامي؟
يتفق النظام المالي الإسلامي في إطاره العام مع الأنظمة الوضعية وبذلك فيمكن للمؤسسات المالية التي ستعتمد على التمويل الإسلامي التأقلم داخل إطار النظام المالي التقليدي، لكن الإشكال الذي يعاني منه النظام المالي في الجزائر هو نقص العصرنة في التعاملات في وقت يعرف فيه العالم ثورة رقمية أدت لتغيير مفهوم النظام المالي التقليدي وهذه العقبة التي يمكن أن تواجه التمويل الإسلامي في الجزائر من أجل خلق منتجات جديدة عوض نسخ المنتجات الموجودة في النظام التقليدي وإعطائها الصبغة الشرعية. وبذلك يصبح النظام المالي في الجزائر حتمية أكثر من ضرورة.
أنتم من أشد المدافعين عن منتوج التكافل في التأمينات على ماذا يقوم هذا المنتوج وهل عرف إقبالا عليه بعد إطلاقه في الجزائر؟
أولا أريد توضيح بعض المصطلحات قبل تعريف مفهوم التكافل، فقد أصبحت مصطلحات التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي ألقابا تطلق على نظام التأمين المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وننبه هنا إلى أن مصطلح التأمين التعاوني هو مصطلح مستخدم في صناعة التأمين التقليدي، فهو تأمين ذو أهداف تعاونية، ولذلك فهو نموذج تأميني منفصل تماما عن التأمين التكافلي وإن كانت أهدافه تعاونية؛ إلا أنه لا يلتزم بقواعد الشريعة الإسلامية.
وأما وصف التأمين الإسلامي بالتعاوني أو التبادلي فيعود إلى الفكر التأميني التقليدي وتطبيقاته غير الملتزمة بالضوابط الشرعية، ولذلك فإن هذه الاصطلاحات تختلف في واقعها اختلافا جذريا عن نظام التأمين الإسلامي والتأمين التقليدي بصورته المعروفة الآن عقد مستحدث اختلف الفقهاء في حكمه الشرعي بين مجيز له بجميع أنواعه، ومحرم له بجميع أنواعه، ومحرم للتأمين على الحياة ومجيز لما عداه، ومحرم للتأمين التجاري لما فيه من الغرر، ومجيز للتأمين التكافلي القائم على التبرع. ومن هنا يكمن تعريف التأمين التكافلي على النحو التالي: هو تنظيم تعاقدي يهدف إلى تحقيق التعاون بين مجموعة من المشتركين يتعرّضون لخطر واحد أو أخطار معينة، حيث يقوم كلّ منهم بدفع مبلغ مالي على سبيل التبرع إلى صندوق يتمتع بالشخصية الاعتبارية بما يسمّى «صندوق المشتركين» الذي من خلاله تدفع للمتضررين من الحملة، ويكون هذا الصندوق منفصلا بشكل تامّ عن حسابات المؤسسة الذي يسمى حساب المساهمين مقابل ذلك تقوم شركة التأمين بإدارة الصندوق مقابل ذلك تتحصل الشركة على عمولة، إذن وكالة بأجر أو جزء من الأرباح إذا كانت مضاربة وإلا الاثنين معا إذا كان النموذج المختلط.
أما بعض الكتاب التي يعتبرون التأمين التكافلي مجرد إعادة صياغة الشروط العامة لعقد التأمين فهذا خطأ لأن التأمين التكافلي نظام خاص لا يتوقف عند كتابة العقد بل كل العمليات التقنية والمالية والمحاسبية وحتى إعادة التأمين يجب أن يكون تكافليا وموافقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
أما فيما يخص التجربة الوحيدة التي عرفتها الجزائر فكانت في مجال التأمين التكافلي تمثلت في تسويق منتجات التكافل العائلي التي تندرج ضمن تأمين على الأشخاص ولقد لقت رواجا كبيرا وقد كنت مؤسسا لهذه المنتوجات الابتكارية متحصلا على الاعتماد من وزارة المالية لتسويقها رغم غياب النصوص التشريعية الخاصة بالتأمين التكافلي وبذلك أقلمنا مبدأ التكافل مع قانون التأمين الجزائري.
بوصفكم مديرا عام لترست للتأمينات كيف تقيمون حصيلة عملكم لعام 2018 وما هي مشاريعكم للعام المقبل؟
خلال سنة 2018 حققت شركتنا عدة نتائج حسنة من حيث تتطور رقم الأعمال وتوسيع شبكة التوزيع حيث تعدى عدد الوكالات 200 وكالة على مستوى التراب الوطني مع توفير خدمات نوعية لزبائن فمن خلال العشرين سنة التي مضت على تواجدنا في السوق الجزائري فلنا زبائن أوفياء في محفظتنا لمدة عشرين سنة ومع التحول الاستراتيجي الذي نقوم به فنحن نأمل أن نصبح الشركة المفضلة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذا الأفراد من خلال تقديم عروض مغايرة تتوافق مع متطلباتهم وتتفهم احتياجاتهم التأمينية بتغطيات مدروسة حسب القدرة الشرائية وطبيعة النشاط. في الأخير نحن متأكدون أن القادم أفضل إن شاء الله وعدة مفاجأت تنتظر الجزائريين لدى ترست الجزائر في المستقبل القريب. حققنا نسبة نمو تضاهي 30 بالمائة في حين نسبة السوق تتراوح بين 4 و5 بالمائة
حاوره احسن خلاص