كل يوم يمر إلا ويجعل الشك يحوم حول موعد الانتخابات الرئاسية التي دعا إليها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح. ومع اقتراب موعد إيداع ملفات الترشح لا حديث عن الانتخابات إلا على لسان رئيس الدولة، إذ في الوقت الذي انتظر فيه الجزائريون إرجاء هذه الانتخابات إلى موعد آخر، خرج ليعلن عن تمسكه ب”الموعد الدستوري” في وقت لا يزال الشارع على موقفه من ضرورة التخلص من جميع رموز النظام قبل البدء في المسار الانتخابي. ولا يفصلنا عن الموعد المحدد إلا شهران فقط، ومع استمرار الضغط الشعبي واهتمام الشارع بمقتضيات شهر رمضان ومقاطعة الزيارات الرسمية وعزوف رؤساء البلديات عن تنظيم الانتخابات وحل الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وإعلان قطاع هام من القضاة مقاطعتهم لها، يحق التساؤل عما إذا كانت حقيقة ستجرى أم لا.
تعددت القراءات الخاصة بخطاب رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الأخير الذي ألقاه بمناسبة حلول شهر رمضان، و الذي جدد فيه الدعوة إلى الحوار، و التأكيد على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد في 4 جويلية القادم، فهناك من رأى أن تمسك بن صالح بتنظيم الانتخابات في هذا التاريخ، تنم عن رغبة منه في تنظيمها وتعيين رئيس جديد للتخلص من المسؤولية الملقاة على عاقته خصوصا وأن البلاد تمر بظرف جد “حساس ودقيق” على حد وصفه شخصيا، وبين من رآها أن الهدف منها قد يكون لتمرير رئيس جديد وفق مواصفات النظام لضمان استمراره رغم الرفض الشعبي، غير أنه وبعيدا عن تلك القراءات، يطرح الكثيرون تساؤلات جمة حول إمكانية إجراءها بالفعل في هذا التاريخ، وإن كانت المدة المتبقية كافية لذلك، وإن كانت الشروط متوفرة في ظل الظروف الحالية التي تعيشها البلاد، من حراك شعبي رافض لكل مقترح مقدم من السلطة، وفي ظل تمسك هذه الأخيرة بقرارها.
محللون يؤكدون استحالة تنظيم الانتخابات وآخرون يقرنونها بـ “شروط”
وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي رابح لونيسي في تصريح ل”الجزائر”، أمس، أن تحديد موعد الانتخابات في يوم 4 جويلية القادم في حد ذاته، منافي للدستور الذي ينص على 90 يوما من بداية حكم رئيس مجلس الأمة، وهو تاريخ لم يدرس بتمعن، و اعتبر أن من وضعوا هذا التاريخ كان هدفهم تمرير مرشحهم-مرشح السلطة- مباشرة دون أن يكون هناك دور ثاني للانتخابات، و يرى أن شروط إجراء هذه الأخيرة غير متوفرة تماما، فالحملة الانتخابية من المفروض أنها اقتربت، لكن لحد الآن تقديم ملفات المترشحين لم تنتهي بعد، ولم يجتمع المجلس الدستوري لتحديد المرشحين الرسميين الذين من المفروض أن يباشروا حملتهم قبل عيد الفطر بأربعة أيام، ويرى لونيسي انه لا يمكن أن تكون هناك حملة انتخابية و الشعب يطرد الوزراء و أي مسؤول يتوجه لأي مكان في مهام رسمية، فما بالك بمرشحين لانتخابات الشعب رافض لها تماما، فمن له الشجاعة من هؤلاء المرشحين للقيام بالحملة؟ يتساءل لونيسي الذي أضاف أن كل الظروف المحيطة تعطينا استنتاجا واحدا وهو أنه من المستحيل إجراءات الرئاسيات، إلا في حال تم فرضها فرضا، و يضعون رئيسا بالتزوير، و بالتالي العودة إلى نقطة الصفر-يقول المحلل السياسي الذي أكد من جهة أخرى أنه في هذه الحالة فالشعب لن يقف مكتوف الأيدي، و اعتبر أن الحل هو العودة إلى المادة 7 من الدستور و الدخول في مرحلة انتقالية.
من جانبها قالت أستاذة القانون الدستوري بجامعة الجزائر فتيحة بن عبو، أمس، في تصريح ل”الجزائر”، انه من الناحية التقنية يمكن إجراء الانتخابات، لكن نتيجتها ستكون غير مضمونة، من حيث القبول والشرعية، أما إذا أردنا انتخابات ديمقراطية وشفافة ونزيهة فالظروف غير ملائمة والشروط غير متوفرة، وترى الأكاديمية أنه في شروط مثل هذه- لا تعديل لقانون الانتخابات، و لا تعديل في مهام الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، ولا ضمانات لإعطاء نتائج مرضية من قبل الأغلبية- سنجد أنفسنا أمام انتخابات مرفوضة من قبل جزء كبير من الشعب.
وعن تمسك بن صالح بإجراء هذه الاستحقاقات في موعدها، وإن كان”تعنت” كما وصفه البعض، تقول بن عبو انه “ليس بالتعنت، بل تمسكه هذا منطقي، لأنه يوجد خوف من قبل السلطة للوقوع في فراغ دستوري، قد يدخل البلاد في مغامرة غير معلومة النتائج” وأوضحت أنه لما لا تكون هناك مؤسسات شرعية، فهذا قد يؤدي إلى ممارسة ضغوطات كبيرة على الجزائر من الخارج، وقد يكون هناك تدخل خارجي يهدد سيادة الدولة، واعتبرت أنه في حال تم تعديل القوانين والهيئات فستكون من مع من يدعو إلى عدم الخروج عن الإطار الدستوري.
سياسيون يعتبرونها “واقعا دستوريا” وآخرون يرونها محاولة لفرض “واقع مرفوض”
القيادي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي بلقاسم ملاح، فقال في تصريح ل”الجزائر”، أمس، أن خطاب بن صالح كان بروتوكوليا بمناسبة رمضان، و كان خطابا مقيدا بالدستور، وهو لا يملك الصلاحيات لتأجيل الانتخابات أو تمديدها، فالظرف الذي أتى به “دستوري” و يبقى مقيد به، و يرى ملاح انه وإذا أخدنا المسالة من الناحية الدستورية فظروف إجراء الرئاسيات متوفرة، من حيث استدعاء الهيئة الناخبة، الهياكل الانتخابية متوفرة، القضاة، و تبقى الهيئة الناخبة الرافضة هي من تطرح الإشكال حسب ملاح، الذي يرى أنه في هذه الحالة نخرج عن الحل الدستوري ونتجه نحو الحل السياسي، وقال أن المشاركة في الانتخابات دائما ما كانت ضعيفة خلال معظم الانتخابات التي عرفتها البلاد، فما بالك بوضع كالذي نعيشه اليوم، غير أنه أضاف أنه تبقى كل الاحتمالات ممكنة.
من جانبه قال نائب رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرحمان بن فرحات، أمس، في تصريح ل”الجزائر”، أن بن صالح بتمسكه بتنظيم الرئاسيات في 4 جويلية، يريد فرض الأمر الواقع رغم الرفض الشعبي لأزيد من 22 مليون الذين يخرجون كل جمعة في حراك شعبي سلمي ورغم رفض الأحزاب السياسية دعوته الثانية للتحاور، و قال أن بن صالح ومن معه يتحملون المسؤولية و العواقب في حال تم تمريرها، و يرى أن المنطق و العقل و القراءة الميدانية تقول انه من المستحيل إجراء الرئاسيات في هذا الظرف و التاريخ، لأنه لحد الآن مثلا من المفروض أن تكون فترة سحب استمارات الترشح قد انتهت، و أن يجتمع المجلس الدستوري لتحديد المترشحين الرسمين، و أضاف قائلا”حتى هؤلاء الذين ترشحوا إلى حد غير معروفين، ولا توجد فيها أسماء ثقيلة، و لا شخصيات وطنية، ولا يعقل أن تنظم انتخابات دون أيضا أن تشارك فيها أحزاب سياسية ذات الوزن”، ورد بن فرحات على الجهات التي تقول انه “دستوريا” فشروط إجراء هذه الاستحقاقات متوفرة بالقول انه حتى لو افترضنا أن كل الأمور الدستورية موجودة، لكن يبقى صاحب الفعل-أي المواطن- معترض ورافض لها، فكيف يمكن إجراءها؟.
رزيقة.خ