شهدت الأسابيع الأخيرة عودة ملفتة للحديث عن العلاقات المغاربية وإن تعددت زوايا تناول الموضوع من دولة إلى أخرى. البداية من تونس التي وجه وزير خارجيتها دعوة إلى نظرائه في بلدان الاتحاد المغاربي للقاء جانبي على هامش القمة العربية المنتظرة بتونس مطلع العام المقبل وفي السياق ذاته دعا رئيس حركة النهضة التونسية إلى التفكير في إنشاء عملة موحدة بين الجزائر وتونس على أن تعمم التجربة على باقي البلدان المغاربية قبل أن يخرج العاهل المغربي في خطاب له بدعوة الجزائر إلى حوار مباشر وصريح لحل المسائل العالقة بين البلدين.
وإن كان رد الجزائر قد ميزته البرودة والصمت إلا أن المبادرة الرسمية التي جاءت من الجزائر بطلب استدعاء اجتماع لمجلس وزراء خارجية بلدان المغرب العربي في أقرب وقت ممكن تؤكد أن البلدان المغاربية بدأت حقا تلتفت إلى بعضها البعض بعد أن سادت فترة من الجمود وانزواء كل طرح للبحث عن شركاء “غير طبيعيين” خارج المنطقة المغاربية.
دعوة رسمية ونظامية
وعكس ما جرت عليه العادة لم توجه الجزائر دعوة مباشرة إلى الشركاء المغاربيين بل فضلت المرور على القناة الهيكلية والتنظيمية للاتحاد وهي الأمانة العامة في تونس التي يشرف عليها الطيب بكوش مما يضفي على الاجتماع طابعا رسميا عكس الاجتماع الهامشي المحتشم الذي دعت إليه تونس وهو اجتماع تشاوري في أحسن الأحوال ولا يمكن أن تنتظر منه قرارات فعلية ملزمة.
ومن هنا فإن دعوة الجزائر توحي بأنها تعتزم طرح مسودة تتضمن آليات جديدة لتفعيل مؤسسات الاتحاد المجمدة منذ 1994 بعد إعلان المملكة المغربية تجميد عضويتها فيها. كما ينتظر أن تكون مناسبة 17 فبراير 2019 فرصة للاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس الاتحاد المغاربي وقد فتحت البلدان المغاربية الخمسة صفحة جديدة وعادت إلى المنظومة المغاربية التي قد تحتاج إلى تحيين بعد جمود دام 15 سنة.
وبعد مرور يومين من النداء الجزائري لم يصدر عن البلدان المغاربية أي رد فعل رسمي بل إن أول تفاعل مع المقترح كان من الاتحاد الأوروبي الذي “سجل باهتمام المبادرة الجزائرية من أجل تفعيل اتحاد المغرب العربي” وذكر الناطق الرسمي باسم الاتحاد أنه “نسجل باهتمام اقتراح الجزائر القاضي بتنظيم اجتماع لوزراء شؤون خارجية بلدان اتحاد المغرب العربي”، معتبرا أن “كل مبادرة بناءة من شأنها المساهمة في تعاون جيد بمنطقة المغرب العربي مرحب بها عموما” في إشارة إلى أن موقف الاتحاد لا يحمل بالضرورة تحيزا للمقاربة الجزائرية على حساب الطرح المغربي الذي يحصر الحوار في طابعه الثنائي مع “الجارة الشرقية”.
والملفت أن مبادرة الجزائر تجد حجتها وفق بيان وزارة الشؤون الخارجية في أنها “تأتي امتدادا لنتائج القمة الاستثنائية الأخيرة للاتحاد الإفريقي حول الإصلاحات المؤسساتية للمنظمة القارية والتي أولت اهتماما خاصا لدور المجمعات الاقتصادية الإقليمية في مسارات اندماج البلدان الإفريقية”. وهي اعتبارات موضوعية بعيدا عن الخطب العاطفية الرنانة.
ثلاثون سنة تضيع
وكان الاتحاد المغاربي قد عرف أول انطلاقة له في لقاء قمة زرالدة في جوان 1988 والذي جمع الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والرئيس التونسي زين العابدين بن علي وقائد الثورة الليبية معمر القذافي والملك المغربي الحسن الثاني والرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد احمد الطايع قبل أن يلتقي القادة المغاربة في مراكش يوم 17 فبراير للتوقيع على معاهدة تأسيس الاتحاد المغاربي. الاتحاد الذي لم يستمر بشكل طبيعي إلا لخمس سنوات قبل أن يبادر الملك المغربي الحسن الثاني إلى تجميد عضويته بسبب خلافات مع الجزائر بشأن القضية الصحراوية.
وها هي الجزائر تعيد الملف المغاربي على بساط النقاش والمنطقة المغاربية تعيش تحولات سياسية وأمنية واقتصادية فقد تغيرت القيادات وأنماط الحكامة في كل البلدان المكونة لاتحاد المغرب العربي حيث انتقلت تونس من عهد نظام زين العابدين بن علي إلى نظام ديمقراطي تعددي وهو الشأن ذاته بالنسبة لموريتانيا كما عرفت القيادة بالمغرب تحولا بوفاة الملك الحسن الثاني وتولي محمد السادس العرش حيث أضحى أكثر تشددا من والده في النظر إلى العلاقات الثنائية والموقف من حق الشعب الصحراوي ف تقرير مصيره بينما دخلت ليبيا في نفق حرب أهلية وانقسامات بعد مقتل القائد معمر القذافي في خضم “الثورة الليبية” وستحيي ليبيا ذكرى تأسيس الاتحاد في ظل مساعي لتسوية أزمتها التي دامت 7 سنوات وانطلقت ثورته عام 2011 في التاريخ ذاته الذي تأسس فيه الاتحاد.
فهل سينجح جيل جديد من القادة المغاربة في ما فشل فيه المؤسسون نهاية الثمانينيات من القرن الماضي؟
احسن خلاص