العديد من المقالات في صحفنا ومجلاتنا، تناولت حياة وآثار كاتبنا الكبير محمد ديب في الذكرى المئوية لميلاده، مع الإشارة لمجموعة من المترجمين الجزائريين الذي تصدوا لترجمة أعمال محمد ديب الشعرية والسردية. لكن يبدو أننا أغفلنا شخصية أدبية بارزة، في الترجمة والاحتفاء بأديبنا الكبير؛ إذ يُعتبر أول من ترجم لمحمد ديب، وعرّف به عربيا، من خلال ترجمته الرائعة للثلاثية: النول، الحريق، الدار الكبيرة. الأمر يتعلق بواحد من أكبر المترجمين العرب في العصر الحديث، إنه المترجم السوري الراحل: محمد سامي الدروبي.
تكمن أهمية العمل المترجم من طرف سامي الدروبي، ناهيك عن قيمة الترجمة ومكانة المترجم، في المقدمة التي تشبه الوثيقة، التي كتبها سامي الدروبي مؤرخة في 01/11/1960، والتي تتضمّن بعض المقاطع من رسالة بعثها محمد ديب بنفسه للدروبي، وهو ما يعني حرص صاحب الثلاثية على الترجمة العربية لثلاثيته، وترحيبه الشديد بالمترجم السوري بالذات؛ يقول محمد ديب: “كان لا بد للسنين المائة والثلاثين التي قضتها فرنسا في “تمدين” جزائرنا من أن تؤتي ثمراتها… والحق أنها قد أتت ثمراتها ويا لها من ثمرات، إن وصفها هو موضوع هذه الروايات الثلاث، غير أنني أحس – واأسفاه – أن اللوحة التي رسمتها لا تبلغ من السعة كل ما كان ينبغي أن تبلغه. كان هناك أشياء كثيرة مفرطة في الكثرة يجب تصويرها. وكان تصويرها يحتاج إلى موهبة، وقد اِضطررت أيضا إلى حذف عدد من العناصر حرصا مني على أن يصدقني القارئ ذلك أنني وجدتني أمام وقائع كثيرة لا يصدّق العقل أن تقع”.
للإشارة ترجم سامي الدروبي، الأعمال الكاملة لدوستويفسكي في 18 مجلدا، ولتولستوي في 5 مجلدات، كما ترجم مجموعة أخرى من الأعمال الأدبية الخالدة. سبق له أيضا أن ترجم رائعة فرانز فانون: معذبو الأرض، التي تضمنت مقدمة معمقة للفيلسوف جان بول سارتر. لذلك كله، يستحق منا تحية تقدير ووفاء وعرفان. على الأقل نتذكره عندما نتذكر محمد ديب، خاصة عندما نعرف أنه ترك جانبا مشروعه الترجمي لأمهات الكتب العالمية، وتصدى لترجمة ثلاثية محمد ديب، كموقف والتزام أولا، ولأن ثلاثية محمد ديب، بالنسبة إليه،لا تقل شأنا في قيمتها الأدبية عن الأعمال الأدبية العالمية.
…
لمحة تعريفية: بوداوود عميير، من مواليد مدينة العين الصفراء/ ولاية النعامة، قاص ومترجم، وباحث في الأدب الكولونيالي وكاتب مقالات في العديد من الصحف والمجلات الجزائرية والعربية. ومن بين ترجماته من الفرنسية إلى اللغة العربية، مجموعة من الكتب التاريخية والأدبية، فمن الكتب ذات الصلة بتاريخ الجنوب الغربي الجزائري. ترجم: “لمحة تاريخية عن الجنوب الغربي الجزائري” عام 2008، “كتاب النسب الشريف” عام 2009، “سيدي الشيخ، الشخصية الخارقة” عام 2010. كما ترجم المجموعة القصصية “ياسمينة وقصص أخرى” لإيزابيل إيبرهارت، والتي صدرت في طبعتها الأولى سنة 2011 عن دار القدس العربي في وهران، وعن كِتاب مجلة الدوحة القطرية في طبعة ثانية مزيدة ومنقحة سنة 2015. و”صوب البحر”، مجموعة قصصية صدرت عن دار الكلمة للنشر والتوزيع بالجزائر. وديوان “صديقتي القيثارة” للراحلة صفية كتو، صدرعام 2017، عن دار الوطن اليوم…
بوداوود عميير