صدرت حديثا عن دار الثقافية للنشر والتوزيع بتونس المجموعة القصصية السابعة للكاتب المتعدد الأجناس محمد الكامل بن زيد تحت عنوان (بيوت صغيرة ..نوافذ كبيرة ) وهي تضم 30 نصا قصصيا ..وقد أحسن القاص عندما اختار لمجموعته عنوانا مغايرا عن عناوين القصص التي تضمنتها المجموعة، لأن العنوان المختار يجسد ثنائية الموت والحياة التي ترتكز عليها أغلب نصوص المجموعة، والتي جاءت بلغة شاعرية غير مألوفة في تجربته السردية السابقة، ولوقام بتوزيعها على نسق الأسطر الشعرية لأدرجها القارىء ضمن جنس الشعر المرسل، خاصة في قصص (هاكر) و(غربة) و(برتقال مر). فمنذ ولوج أول نص تشدك الشحنة الإنسيابية التي ترسم ملامح العالم المتقلب بلغة مؤثثة بعناية الفنان الماهر المتمرس، الذي يحلق في العوالم الإنسانية المقاومة بالكلمة / زمن الموت / والمحاربة للكوابيس السوداء التي تلاحق دوما / سرب الحمائم البيضاء / .
ونصوص المجموعة تتخطى القوالب الجامدة في نسقها السردي البناء المعماري للقصة القصيرة المعتاد، بما تمنحه من حرية التخيل لتفاصيل الحياة اليومية للإنسان الكادح وتناقضاته، من حيث توظيف اللغة الشعرية والأحلام المجنحة، والدلالات الرمزية للأشياء، والأمكنة المتباعدة المعبرة عن الأحاسيس العميقة للواقع المضطرب . وهي تجربة جديدة تستجيب مع النظرية الفنية المعاصرة في الكتابة القصصية، ولعل قصة (زوربا يا داليدا ..رقصة الموت ) تجلي حقيقة هذا التوجه الفني بما تزخر به من مشاهد ولوحات تجريدية لملامح الموت والحلم والانتماء.
فالبيوت الصغيرة تحيل القارىء الى المأوى الأخير لكل انسان بعد / أن ينام نومته الأبدية / حتى وإن ارتعش كريشة في مهب الريح وهويردد / أنا أخاف الموت وأخشاه/، بل لا يحلوله أن يغمض عينيه، لأن صورة الكابوس المزعج يراها في يقضته، فيردد بأعلى صوته / أخاف أن أنام فيسرقني الموت / لأن فوبيا الشيطان الذي يزوره في كل المحطات / لا يقبل الأجسام المثخنة بالدماء ..نصفها ميت ونصفها حي / ولأن غريزته الأبدية تقتضي أن / يحكم عليهم بالموت /. وعندما يرى البطل أن والده قد / تجمد في مكانه / لا يبقى مكتوف الأيدي بل / ينظر الى الشمس الحالمة / ثم يركض نحوأشعتها الحارقة بحثا عن دفء الحياة حتى / يذوب تحت الشمس الملتهبة / مستعطفا والده / أبي ..إكسر شبابيك النوافذ الموصدة .. فشمس الله لا تغيب / . ويبقى القاص في نصوصه الحالمة مرتبطا بخيط الأمل والحلم الذي يوزعه في كل الإتجاهات رغم / الوجه البائس / المكلل ب / الحزن والأسى / و/ الضجر الأحمق /، ويلاحق الأحلام الوردية لمعانقتها بكل فرح، لأن / الحياة لا تزال تنبض وأشعة الشمس ستبقى في الأفق ساطعة /، وهوالذي فضل أن يفتتح مجموعته القصصية (بيوت صغيرة ..نوافذ كبيرة ) بجملة للكاتب الأوروغواني الكبير إدواردوغاليانوالمهووس بالكتابة والرياضة (إن لم يتركونا نحلم .. فلن نتركهم ينامون(.
للإشارة فإن الروائي محمد الكامل بن زيد من الأسماء الأدبية الجادة التي تكتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية.. وقد حظيت تجربته الإبداعية بإعجاب الأدباء من الجزائر والعرب على غرار الروائي التونسي الكبير ابراهيم الدرغوثي، بالإضافة الى اهتمام النقاد العرب منهم الروائي والناقد المغربي حميد ركاطة الذي قال عن مجموعته الجديدة) هكذا يبصم القاص الجزائري محمد الكامل بن زيد على رؤية إبداعية منفتحة على آفاق سردية رحبة، في باقة اشتملت على مجموعة من نصوص كتبت بأنفاس متعددة، وارتحقت من معين فضاءات وأمكنة في بقاع مختلفة من عالمنا الإنساني، ما يمنحها تأشيرة العبور بقضاياها الشائكة التي حفرت في أعماق النفس الإنسانية بإزميل نحات بارع وحاذق نحو الكونية.
ملاحظة: العبارات بين قوسين مأخوذة من نصوص بالمجموعة القصصية.
الاخضر رحموني