تحدث البروفيسور أحسن تليلاني عن وظيفة المسرح في كونه نورا يكتسح ظلمات حياتنا المليئة بالعتمات فينيرها، وفي كونه -المسرح- الفن الأكثر اعتمادا على تقنيات الإضاءة في عرض المشاهد المختلفة، في المداخلة التي قدمها أول أمس حول أسئلة العتمة الوجودية في مسرح اللامعقول ضمن أشغال الندوة العلمية “المسرح والعتمة” المرافقة للمهرجان الدولي 24 ساعة مسرح دون انقطاع بمدينة الكاف التونسية.
وقال تليلاني أن المسرح اليوم هو فن الإضاءة بامتياز، فالمسرح رهين العتمتين كما يقال، عتمة الحياة بما فيها من شرور و آثام، و عتمة الخشبة بما يحيطها من ظلام دامس، مؤكدا أن المسرح مواجهة كبرى بين النور والعتمة، وللاقتراب قليلا من إشكالية هذا الموضوع –يضيف- الدقيق، لنتصور خشبة مسرح يغمرها ضوء قوي، ثم نرى ممثلا يبحث عن شيء ما، و كلما نظر نحو زاوية على خشبة المسرح إلا و انزاحت عتمتها و غمرها ضوء كبير، وبعد قليل يتبعه ممثل آخر، ثم يدور بينهما الحوار الآتي: الممثل الثاني: عم تبحث؟ الممثل الأول: لقد أضعت مفاتيحي. الممثل الثاني: هل أضعتها هنا؟ الممثل الأول: لا، و لكن هنا يوجد الضوء.
واعتبر أن العتمة في المسرح ليست بعدا سينوغرافيا مهملا، بل إنها أي العتمة ذات أهمية قصوى لا تقل عن أهمية الإضاءة، حتى أن الصنعة المسرحية تقوم أساسا على مدى التحكم في جدلية العتمة والإضاءة، مشيرا إلى أنه إذا كانت الإضاءة أمر معروف في الإبداع المسرحي، خصصت لها بحوث و دراسات عديدة، من حيث حضورها و توزيعها قوة و ضعفا و لونا، فإن العتمة أو الإعتام إن جازت لي الترجمة تكاد تكون غائبة عن الدراسات المسرحية العربية عامة، وأما إذا كان لها حضورا ما في وعي المسرحيين، فإنها عادة ما تكون على سبيل الأمر المهمل أو خرط القتاد كما يقال، في حين أن الإعتام أو الإظلام هو أول ما يبدأ به العرض المسرحي و آخر ما ينتهي به أيضا، حيث إن قاعة العرض و كذا الخشبة تكون قبل بداية العرض في ظلام دامس، و في حين تنبعث الإضاءة على الخشبة بمجرد انحسار الستارة، يستمر الظلام في قاعة الجمهور، لأن للظلام هنا وظيفة أساسية في المسرح الدرامي و هي خلق الإيهام لدى المتفرجين، و جعلهم يسرحون بخيالهم و يغرقون بعواطفهم في العرض المسرحي، حتى جاء برتولد بريخت بنظرية المسرح الملحمي و دعا إلى إنارة قاعة الجمهور خلال العرض لاثارة تفكيرهم وإبعاد الإيهام عن خيالهم.
وأبرز تليلاني بأن المسرح اعتمد كثيرا على الإعتام في الانتقال من مشهد إلى آخر، لأن هذا الإعتام يساعد على الفصل بين المشاهد، كما أن هذا الإعتام يساعد على التمييز بين الفضاءات السينوغرافية على خشبة المسرح، و بقدر ما يجب على المخرج التحكم في تقنيات الإضاءة لخلق شعريات مسرحية مناسبة للمشاهد، عليه التحكم في توزيع الفضاءات المعتمة على الخشبة نفسها، مبرزا إن المسرح حقا رهين العتمتين، عتمة الحياة والكون و الوجود، وعتمة الإبداع المسرحي في كونه لعبة متوازنة بين الإضاءة و العتمة.
وأشاد في مداخلته بإدارة مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف بتونس على حسن اختيار موضوع الندوة العلمية “المسرح والعتمة” ولوزارة الثقافة التونسية بلوغ المهرجان الدولي 24 ساعة مسرح العدد 21، لأن الصعوبة ليست في تأسيس التقليد المسرحي ولكن في الحفاظ عليه و الاستمرار في تنظيمه سنويا ضمن آجاله.
صبرينة ك