تنقضي سنة 2019 ولا يحتفظ الجزائريون منها إلا بالنكبات على المستوى الاقتصادي، من ملف التركيب المقنع للسيارات الذي كشف في أروقة المحاكم عن حجم هدر المال العام إلى خطة تعديل قانون القرض والنقد لطبع النقود الفاشلة إلى إلغاء طبع أزيد من 6500 مليار دينار، وذلك قانون المحروقات يخرج رافضيه للشوارع خوفا على أمن الجزائر الطاقوي، وبين كل حدث وحدث ظل المواطن البسيط تائها ومتوجسا من ظروفه المادية التي ظلت على حالها أو ساءت على ما كانت عليه في السنة الفارطة.
يودع الجزائريون سنة 2019 بكثير من التساؤلات والحيرة على مستقبل اقتصادي غامض، ميزه انخفاض كارثي لاحتياطي الصرف وتهاوي قيمة الدينار والتهاب في الأسعار.
نفخ العجلات من وهم إلى حقيقة
لم تكن سنة 2019 عادية بالنسبة للكثير من متابعي الشأن الوطني، بعد أن عرفت الجزائر أكبر فضيحة فساد تمثلت في قضية تركيب السيارات التي أطاحت برؤوس فساد كبيرة عاثت في هذا المجال فسادا، وبعد أن كانت “إشاعة” نفخ العجلات ملتصقة بمركبي السيارات، صارت في ظرف وجيز حقيقة، بعد أن أطاح ملف تركيب السيارات بأويحيى وسلال ومعزوز، بايري وعدة رجال أعمال، حينما كشفت تحقيقات العدالة أن “العصابة” سوقت أكبر كذبة للجزائريين لتمرير مشروع العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعدما قررت تجميع صلاحيات هذا القطاع، الذي كان ينظم استيراد السيارات، في وزارة واحدة هي وزارة الصناعة والمناجم، ومن ثم وضعها بين أيدي شخص واحد، هو بوشوارب وذلك بعد ما كانت موزعة بين وزارتين هما الطاقة والصناعة، حيث كشفت أطوار محاكمة رموز العصابة التي جرت أطوارها في محكمة عبان رمضان بالعاصمة، عن “العبثية” التي كانت تسير بها من قبل القوى غير الدستورية، والتي طبعها استقواء بعض الوزراء ورجال الأعمال بقوى “غير دستورية” تدير الشأن العام من وراء الستار.
طبع النقود في خبر كان.. والعودة للاستدانة أمر حتمي
من بين الملفات الحساسة التي ظلت حديث العام والخاص خلال هذه السنة، ملف تعديل قانون القرض والذي بموجبه أتاح لحكومة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى بطبع أزيد من 6500 مليار دينار، بما يساوي 55 مليار دولار. هذا الخيار الذي طالما دافعت عنه الحكومة تقرر تجميده بعد سنتين من تجربة الطباعة التي كانت خيارا سهلا لمواجهة الأزمة المالية رغم تحذيرات الأخصائيين ومخاوف الخبراء، آنذاك، الذين تحدثوا عن تكرار سيناريو الأزمة الفنزويلية في الجزائر، وتوقعات بتنامي التضخم في ظرف قصير، وانهيار تاريخي لقيمة العملة الوطنية والوصول إلى حالة إفلاس تام، حيث دفعت موجة الغصب التي اجتاحت الجزائر بعد حراك 22 فيفري النيابة العامة، للتحقيق مع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى في القضية بعد ارتفاع حجم الطباعة في فترة قياسية وصل إلى قرابة الـ100 مرة ضعف ما كان متوقعا.
قانون المحروقات يمرر وسط جدل
كما تميزت هذه السنة باحتجاجات كثيرة حول مضمون مشروع قانون المحروقات الجديد، الذي وصل آنذاك لقبة البرلمان للتصويت عليه، بعد مصادقة مجلس الوزراء برئاسة رئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح القطرة وهي القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت شخصيات وقوى سياسية تنظم إلى قائمة الرافضين له، حيث طالبت بتأجيل النقاش في هذا القانون معتبرينه مرتبطا بمصير الدولة، كونه يقترح تعديلات لمنح إعفاءات ضريبية وجمركية غير مسبوقة للشركات الأجنبية غير أن إرادة النواب والحكومة كانت عكس تلك المطالب فتم تمريره والمصادقة عليه في الغرفتين السفلى والعليا.
انخفاض مخيف لاحتياطي الصرف
بالمقابل، شكل الانخفاض المتسارع لاحتياطي الصرف صداعا حقيقيا للحكومة خلال هذه السنة، حيث بدت تصريحات المسؤولين متشائمة من مستقبل مخزون احتياطي الصرف الوطني من العملة الصعبة، حيث لوح وزير المالية محمد لوكال بمستقبل غامض للتوازنات المالية الكلية للبلاد خلال الأشهر القليلة المقبلة، لاسيما في ظل عدم قدرة أسعار النفط على تسجيل مستويات مقبولة، على الرغم من كل المحاولات لإنعاشها، حيث كشفت الإحصائيات عن ضياع حوالي 2 مليار دولار شهريا، ما يجعله يصل خلال سنة 2020 إلى 51.6 مليار دولار، ثم إلى 33.8 مليار دولار في عام 2021، على الرغم من التزام الحكومة في سياق التقليل من وتيرة السقوط الحر للاحتياطي بمسعى يقوم على عقلنة الواردات من السلع.
وتشير التقديرات إلى أن الجزائر تواجه بداية من العام الداخل أزمة مالية ستترجم في شكل العجز عن تغطية النفقات العمومية، كون أن متوسط الواردات الوطنية السنوية يقدر بحوالي 43 مليار دولار، بينما يعمق عدم تعافي أسعار المحروقات الأزمة المالية، خاصة وأنّه يمثل حوالي 95 بالمائة في المائة من مجمل الصادرات الوطنية.
عمر.ح