أعلن وزير الداخلية نور الدين بدوي، صبيحة أمس عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي أُجريت أول أمس الرابع ماي 2017، والتي عرفت كعادتها وبصيغة تقليدية كلاسيكية فوز حزب جبهة التحرير الوطني بالمركز الأول، يليه التجمع الوطني الديمقراطي ثم تحالف حركة مجتمع السلم، لتلحق بهم بقية الأحزاب الموالية منها والمعارضة للسلطة في البلاد.
الانتخابات التي عرفت قبل بدايتها جوا مشحونا في الشارع الجزائري، أدّى بمسؤولي الدولة إلى تجنيد كل ما هو مسموح وغير مسموح بالترويج لهذه الانتخابات، خاصة في ظل دعوى موازية قادتها أحزاب معارضة قبل بداية الحملة بأسابيع، والتي لم يكن لها انصياع ولا تأثير كبير، ليتبعها بعد ذلك حملة شبابية “فايسبوكية” تدعو إلى مقاطعة الانتخابات بحجة أن لا فائدة منها، خاصة أن السلطة وعلى مر السنوات الماضية ورغم البحبوحة المالية لم تعمل على تقديم الشيء الكثير للشعب الجزائري، بل ظل الفساد سيد الموقف في الكثير من المجالات.
هجوم وهجوم معاكس تمخضت عنه نتائج هزيلة خلال هذا الاستحقاق الانتخابي، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة من المسجلين فقط بـ 38.25 % ، من أصل 23.528 مليون مسجل في القوائم الانتخابية، وقد يبلغ العدد حدود 33 مليون بين المسجلين وغير المسجلين، لتنزل النسبة عقب ذلك الى مستوى قياسي، أضف الى ذلك تصريحات بعض رؤساء الأحزاب الذين شككوا في نسبة المشاركة المعلن عنها من طرف وزارة الداخلية، أي أن نسبة المشاركين في هذا الاستحقاق قد لا تتجاوز 20 %، ما يعني أن خمسة ملايين جزائري أو أكثر بقليل من أصل أربعين مليونا، من خاض غمار هذا الاستحقاق.
الأكيد في هذا كله أن حزب جبهة التحرير الوطني، يواصل اعتلاء المشهد السياسي في الجزائر، حيث حقق 164 مقعدا برلمانيا متراجعا بـ 43 مقعدا مقارنة بالعهدة البرلمانية الماضية، والتي كان فيها عبد العزيز بلخادم أمينا عاما للحزب، والسبب في ذلك حسب كثير من المتتبعين، السياسة المنتهجة من طرف الأمين العام للحزب جمال ولد عباس، الذي انغمس اسمه في الكثير من الفضائح والتجاوزات، حيث أصبح الحزب في عهده يلقب بحزب “الشكارة”، بالإضافة إلى بروز جبهة داخلية مضادة يتزعمها عبد الرحمان بلعياط، الذي كثيرا ما هاجم ولد عباس ووصفه بالفاشل غير المؤهل لقيادة الحزب، ليؤدي ذلك كله إلى خسارة “الأفلان” العديد من المقاعد لصالح أحزاب أخرى، أبرزها الأخ العدو حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي زادت مقاعده مقارنة بانتخابات 2012 بـ 32 مقعدا ليصل الى هذه المرة الى 97 مقعدا برلمانيا، مزاحما “الأفلان” ومجبرا إياه بعقد تحالف إن كان يريد تشكيل الحكومة، بما أن الأول لم يبلغ النصاب القانوني والمقدر بـ 232 مقعدا لتشكيل الحكومة منفردا.
واقع قد يدفع بصاحب الريادة إلى مزيد من الانقسام والتشتت الذي لا يخدمه بقدر ما يخدم خصومه السياسيين، لأن قائد الحزب تسبب في اضمحلاله مقارنة بما كان عليه من قبل، وسيزيد من قوة خصومه الداخليين من أعضاء اللجنة المركزية الذين بدؤوا في جمع التوقيعات من أجل إحداث التغيير وإخراج ولد عباس من الباب الضيق، قبل انطلاق الانتخابات.
وعلى صعيد آخر، حافظت حمس على صدارتها للأحزاب المعارضة، باحتلالها للمركز الثالث بـ 33 مقعدا، الا أن زعيم الحزب الاسلامي الاول في الجزائر، عبد الرزاق مقري، لم ينتظر طويلا حتى يشهر سيف التخوين والانتقاد لشركائه المشاركين من جهة والمقاطعين من جهة أخرى، الذين خصهم بمقال مقتضب طالبهم بتقديم الفائدة من المقاطعة التي ارتدوا ثوبها، كما اتهم وزارة الداخلية بتزوير الانتخابات وتضخيم نسبة المشاركة التي قال أنها لم تتجاوز 25 %، ليختم حديثه بأن قرار المشاركة الذي ارتكز عليه تحالفه كان صائبا، لكي لا يسمح للنظام بتمرير ما يريد من قوانين وتشريعات على طبق من ذهب.
من جهة أخرى، ليس هناك أي شك بأن تحالف “حمس” ينتظر من السلطة دعوتها للمشاركة في الحكومة المقبلة التي حتما لن تكون أحادية لعدة أسباب، أبرزها الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد، ورغبة السلطة في إشراك المعارضة للأحمال الثقيلة التي أنتجتها وتسببت فيها على مدار السنوات الماضية، والتي أدّت بفقدان المواطن الثقة في الحكومة ومطالبته بإحداث تغييرات في أسرع وقت من اجل الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، ولكن قرار المشاركة هذا قد يؤدي بدوره إلى انقسام حاد داخل بيت “حمس”، بين الراغبين في المشاركة والمطالبين بالمقاطعة، خاصة أن الحزب يعرف صراعا داخليا بين أنصار مقري، وأنصار أبو جرة الذين حاولوا بكل جهدهم، فرض منطقهم خلال ترشيحات العاصمة، التي انتهت بتصدر مناصرة لقائمة العاصمة على حساب عرفات قانة.
الأحزاب الفتية والقوائم الحرة كان لها حضور قوي هي أيضا، وذلك على حساب أحزاب أخرى عرفت بولائها للنظام، حيث برز في طليعة هذا المشهد حزب الوفاق الوطني الذي نال 4 مقاعد برلمانية، بالإضافة إلى حزب الشباب الذي استطاع أن يحصد 02 مقعدين،في أول مشاركة انتخابية برلمانية، حيث يسعيان حسب خطابهما إلى إحداث بعض التغييرات وطرح بعض الحلول التي قد تساعد في رفع الغبن الذي تعيشه الجزائر في الأونة الأخيرة.
المشهد الانتخابي اكتمل، وبمعالم كانت متوقعة لدى كل المتابعين للشأن السياسي الجزائري، إلا أن الجديد في ذلك أن الأحزاب والقوائم الحرة التي ستدخل قبة زيغود يوسف، سيكون عددها هذه المرة 36 تشكيلا سياسيا، ستوكل إليهم مهمة تشريع القوانين التي من المنتظر أن تخدم المواطن لا أن تخدم أطرافا أخرى، تسعى في تحقيق مأربها على حساب شعبها.
ع.فداد
الرئيسية / الوطني / الأفلان مجبر على التحالف مع الأرندي من أجل تشكيل الحكومة:
36 تشكيلة سياسية تلتقي تحت قبة البرلمان
36 تشكيلة سياسية تلتقي تحت قبة البرلمان