الإثنين , ديسمبر 23 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الاقتصاد / الخبير في الشؤون الطاقوية، مهماه بوزيان لـ" الجزائر": :
“نمتلك الفرصة للإفلات من الأزمة وتحقيق الإقلاع الإقتصادي”

الخبير في الشؤون الطاقوية، مهماه بوزيان لـ" الجزائر": :
“نمتلك الفرصة للإفلات من الأزمة وتحقيق الإقلاع الإقتصادي”

– الطلب على النفط سيستمر لعقود قادمة رغم تراجع مستوياته
– الرقمنة الشاملة لقطاع الطاقة تتطلب الانتهاء من صياغة النموذج الطاقوي
– الإنتعاش والإنكماش والتحول.. سيناريوهات الإقتصاد العالمي

يرى الخبير في الشؤون الطاقوية، مهماه بوزيان أن “هندسة منظور الإنتقال الطاقوي” ينبغي أن يتم بمنهجية وأن يعتمد على عمل منظومي وينطلق من معالجة الإختلالات القائمة وتثمين الإنجازات المحققة، مؤكدا في حوار مع “الجزائر” أن “الغاز الطبيعي سيكون أكبر مصدر لتوليد الطاقة مستقبلا”، وقال إن “التحول الطاقوي العالمي يتجه إلى تعظيم استخدام محتوى الغاز، والتوسع في استخدامه” باعتباره الوقود الأكثر كفاءة ونظافة ضمن منظومة الوقود الأحفوري.

يعد قطاع الطاقة الدعامة الأساسية للإقتصاد الوطني، ممكن كلمة حول رهانات وواقع الطاقة في ظل تراجع أسعار النفط والصراع القائم بين بلدان العالم، ناهيك عن الأزمة الصحية التي زادت من الركود؟
لقد ضربت جائحة كورونا الاقتصاد العالمي بقوة، بشكل لم يحدث من قبل منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أقدمت الحكومات في جميع أنحاء العالم على غلق المدن والشركات وقيدت حرية التنقل، وبذلك انخفض الطلب العالمي للطاقة، وقد أدى هذا الوضع إلى تراجع الاستهلاك العالمي من النفط بأكثر من 12 % في الربع الثاني من هذا العام 2020.
وفي ظلّ هذا الوضع الكئيب لا يزال تقدير التأثير النهائي للوباء على قطاع الطاقة غير واضح تماماً، وسيعتمد بشكل كبير على مدى تحقيق تقدم ملحوظ ومحسوس في الجانب الصحي، خاصة ما إذا كان يمكن تطوير لقاح فعال وطرحه للإستخدام بشكل واسع عالميا، خاصة مع الحديث عن احتمال وجود موجة ثانية من الوباء، وأيضا في انتظار ما ستفرزه الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم، وعواقب ذلك على مستقبل الإمدادات النفطية، مع إمكانية العودة الطبيعية للنفط الإيراني والفنزويلي إلى مشهد الأسواق العالمية، لكننا حين نتوجه إلى تشخيص الوضع الداخلي لنا، أستطيع القول بأن الجزائر هي في أفضل حال من الكثير من دول العالم، التي أغلقت فيها شركات، وانمحت وظائف من عالم الشغل، وتمّ تسريح العمال بالملايين، بينما في الجزائر لم يحدث شيء من هذا القبيل، بل وتدفق الغاز والمواد الطاقوية ينساب في السوق الوطنية، لكن هذا لا يعني أننا في وضع جيد، بل نحن نمتلك فرصة سانحة للإفلات من الأزمة وتحقيق الإقلاع الإقتصادي.

– كيف ستستعيد الأسواق عافيتها بالنظر للأوضاع الراهنة على المستوى الوطني والعالمي؟
هناك العديد من السيناريوهات المحتملة، لكنها تشير في غالبيتها، إلى أن الطلب على النفط سيستمر لعقود قادمة، رغم تراجع مستويات ذلك، وكون منظومة النفط ككل تواجه خطرا حقيقيا، نتيجة إفلاس الشركات، وتراجع الإستثمارات، وتحجيم خطط التطوير، لذلك هناك شكوك قوية حول إمكانية التعافي سريعا، والأمر سيستغرق سنوات عديدة قادمة لاستعادة سوق النفط لمستوياته التي كان عليها قبل الوباء، كما سينمو الطلب على النفط بعد ذلك ببطء، على الأقل اليوم نميّز ثلاث (3) سيناريوهات، أولها يمثل سيناريو الإنتعاش، والثاني سيناريو الإنكماش، والثالث سيناريو التحول. فالأول يرتكز على أمل حدوث انتعاش كامل في الاقتصاد العالمي، والثاني يستند إلى الإرتدادات المحتملة لخيبة الشعوب والدول من العولمة كفكر وكمنظومة، وتمدد ظاهرة التباعد الإجتماعي ليتولد عنها تباعد سياسي واقتصادي بين الكيانات السياسية العالمية، وتجذر ذلك في المجتمع الدولي. أما الثالث فهو يستمد وجوده من التوجهات المجتمعية الحالية إلى تنحى للإرتباط أكثر عبر الشبكة بعيدا عن الحضور الفيزيائي للفرد وللكيان، خاصة مع جاهزية العديد من الحلول التقنية التي توفرها الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها، من أدوات رقمية، كالطباعة الثلاثية الأبعاد، إضافة إلى عودة التدخل الواسع للحكومات، مع استخدام هذه الحكومات للحوافز الاقتصادية لتسريع الانتقال الطاقوي وتغيير المشهد ككل.

– وما هي وضعية أسواق النفط في العالم؟
لقد أدت جائحة كورونا إلى انهيار غير مسبوق للطلب على النفط وأسعاره، حيث سجلت أسواق النفط أكبر انخفاض على الإطلاق، وانهارت أسعار النفط، وهوت أسعار خامات النفط القياسية إلى مستويات متدنية غير مسبوقة منذ عقود، في حالة أشبه ما يكون بالإنصهار. لكن تجدُّد الجهود الرامية إلى تدعيم نفسية سوق النفط، خاصة لدى مجموعة “أوبك +” التي توصلت إلى اتفاق تاريخي استثنائي غير مسبوق، ففي شهر أفريل الماضي، تمكن 23 منتجا للنفط من الوصول إلى خفض إنتاج النفط بما يصل إلى 10% يوميا بدءا من شهر ماي 2020، بما جعل الأسعار اليوم تقترب من مستوى الـ 45 دولار للبرميل، كما جعلت الخام الجزائري “مزيج صحاري” ينهي النصف الأول من هذه السنة بمتوسط 41 دولار للبرميل، بينما كان العديد من الخبراء لا يرشحون برميل نفط “برنت” ليسجل متوسط سعري فوق الـ 37 دولار، في ذاك الوقت، كان رأينا الشخصي ينحى نحو توقع إنهاء هذه السنة بمتوسط يتجاوز الـ 42 دولار للبرميل.

– تراهن الدولة على الغاز، هل من توضيحات بهذا الشأن، وما مستقبل الغاز؟
أولا، ينبغي أن ندرك بأن أربعة أخماس (4\5) احتياطياتنا المؤكدة من المحروقات هي من الغاز، وثانيا، أنه من حسن حظّنا ومقاديرنا، أن التحول الطاقوي العالمي يتجه إلى تعظيم استخدام محتوى الغاز، والتوسع في استخدامه، بإعتباره الوقود الأكثر كفاءة ونظافة ضمن منظومة الوقود الأحفوري، بل يعد المعبر السلس نحو الطاقات المتجددة، وثالثا، أن أوروبا التي تعد السوق التقليدية للغاز الجزائري، تتبنى خططا طموحة للتخلي على الفحم والطاقة النووية واستبدال ذلك بالغاز الطبيعي، ورابعا، أن أوروبا لن تستطيع أن تدير ظهرها للغاز الجزائري، بحكم المعطيات التقنية والإقتصادية التي تجعل من الغاز الجزائري عنصرا حيويا لأوروبا لكي تضمن أمنها الطاقوي على المدى البعيد. لكن الظرفية الحالية، التي تتميز، بتراجع الطلب على الغاز، وانهيار أسعاره، حيث نجد في الوقت، على سبيل المثال، في الولايات المتحدة قد تراجعت أسعار الغاز الطبيعي إلى أدنى مستوى لها منذ 25 عامًا، رغم أن التقديرات كلّها تشير إلى أنه من المقرر أن يستمر الغاز الطبيعي في الهيمنة على توليد الكهرباء على نطاق واسع في مختلف المرافق لعشريات قادمة، ففي السنة الماضية 2019، شكل الغاز الطبيعي 38 في المائة من توليد الكهرباء في الولايات المتحدة الأميركية، بينما شكلّ الفحم ما نسبته 23 في المائة، والطاقة النووية 20 في المائة، والطاقة المتجددة بما في ذلك الطاقة الكهرومائية 17 في المائة، وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وسيستمر الغاز الطبيعي في إزاحة الفحم من توليد الكهرباء، متضافرا مع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لذلك نجد مختلف التقديرات الواقعية والموثوقة تتوقع بأن يكون الغاز الطبيعي أكبر مصدر لتوليد الطاقة على مدى عشريات من السنوات القادمة.

– تعد السوق الأوروبية السوق التقليدية للجزائر، هل من كلمة بهذا الشأن؟
نعم الجزائر تمتلك عناصر الأفضلية لإمداد شبكة جنوب غرب أوروبا بالغاز، بما يرغب فيه الشركاء الأوروبيون وبالكميات المطلوبة وفقا لاحتياجاتهم لحظيا وفي كلّ الأوقات وعلى المدى البعيد، كون الجزائر تمتلك حاليا قدرات تصدير جاهزة من الغاز الطبيعي تتجاوز الـ 86 مليار متر مكعب، إضافة إلى شبكة من أنابيب الغاز العابرة للمتوسط، والتي هي حيّز الخدمة، إضافة إلى قدراتنا المتاحة في إسالة وتمييع الغاز، لذلك يبقى الوضع متعلقا بالطرف الأوروبي للإفصاح عن رغبته في تأمين مستقبله من الإمدادات الطاقوية الجاهزة والآمنة، والشريك الأوروبي يدرك جيدا عناصر الأفضلية المستدامة الكامنة لدى الطرف الجزائري.

– ماذا عن سوق الكهرباء، وهل بإمكان الجزائر أن تكسب الرهان؟
الكهرباء هو عامل أساسي ومحوري في ثورة صناعية قامت عبر عقود من الزمن، وهي مستمرة ومتجددة من ثوب إلى ثوب. وستبقى الكهرباء عامل رفاه للإنسانية، ومؤشر تنمية وتطور، لذلك تتحدث الأدبيات الأممية عن محاربة الفقر من خلال تقليص هوة “العوز إلى الكهرباء” بنشر استخدامها عبر مناطق الحرمان الطاقوي. والجزائر تعدّ دولة رائدة في ربط الساكنة بالكهرباء، حيث بلغت 99,8% في سنة 2017، ونسبة هذا الربط يعدّ مؤشرا عالميا على ريادة الجزائر، عبر طول إجمالي لشبكة توزيع الكهرباء الوطنية تمتد على 329 ألف كيلومتر. لكن لهذه الريادة ضريبتها، حيث أن هذه الكهرباء منتجة في جلّها تأتي من تربينات الغاز، بما يلقي بضغط متزايد على إنتاجنا من الغاز، حيث بدأ الميزان يختل لصالح الإستهلاك الداخلي من الغاز على حساب قدراتنا في التصدير، لذلك أعتقد بأن هندسة منظور الإنتقال الطاقوي ينبغي أن يتم بمنهجية وأن يعتمد على عمل منظومي وينطلق من معالجة الإختلالات القائمة وتثمين الإنجازات المحققة.

– كيف يكون الإنتقال الطاقوي والمنجمي؟
الإنتقال من مجال الطاقات التقليدية التي توصف بالأحفورية، إلى الطاقات المتجددة، يوصف بالإنتقال من الأقطاب الأحفورية التقليدية إلى الأقطاب الأحفورية الجديدة، وهذا ما عبر عنه الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ (1978-1992) الذي تنبأ قبل رحيله بأن “الأتربة النادرة” ستمنح الصين أهمية قد تفوق أهمية نفط الشرق الأوسط، قائلا “الشرق الأوسط لديه النفط ولدى الصين الأتربة النادرة”. وتمتلك الصين ثلث المخزون العالمي من هذه المواد، لكنها تنتج حاليا 97% من احتياجات العالم من هذه المواد الأساسية لمختلف صناعات الفضاء، والصناعات العسكرية، والتكنولوجيات المتقدمة، ومعدات ثورة الطاقات النظيفة والمتجددة، و تجهيزات السيارات الكهربائية التي ستهيمن على مشهد قطاع النقل مستقبلا. لكن ليست الأتربة النادرة فقط هي التي تحظى بهذه الأهمية القصوى، بل نجد بأن كلّ من الألمنيوم والحديد والنحاس والزنك والهيليوم تشكل موارد منجمية أساسية للمستقبل، بل تعد عناصر استراتيجية سيتضاعف الطلب عليها من هنا إلى غاية سنة 2050، بل ستحتدم حول مكامنها صراعات شرسة. وللأهمية البالغة التي تمثلها عديد الموارد المنجمية لإنجاح مسعى الإنتقال الطاقوي الآمن والسلس واستدامته، فقد توجهت الجزائر لإيلاء العناية اللازمة لقطاع المناجم، لذلك نجد القطاع الجديد الناشئ قد وضع مخططا للتطوير يقوم على أربعة محاور أساسية، تتمثل في مراجعة القانون الذي يحكم نشاط التعدين لجعله أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب، مع إعادة النظر في خريطة المناجم الوطنية لجعلها تلبي المعايير الدولية من حيث الدقة؛ وتطوير المناجم الموجودة عن طريق إعادة هيكلتها وتنظيمها وإدارتها؛ إضافة إلى تكوين وتدريب وتأهيل العنصر البشري للرفع من كفاءة الموارد البشرية. مع التذكير أنني قبل هذا، كنت قد كتبت عن التحديات الإثني عشر (12) لتثوير القطاع المناجمي الجزائري، وكان من بينها هذه المحاور الأربعة، التي سيتكفل بها القطاع، كما أن الوزير قد قدّر بأن الجزائر تحوز على موارد معدنية باطنية تفوق الوصف العادي.

– هل ستنجح الجزائر في رقمنة قطاع الطاقة؟
الرقمنة الشاملة لقطاع الطاقة، يتطلب الإنتهاء من صياغة النموذج الطاقوي، الذي تكون فيه المسارات المعلوماتية تتدفق بسلاسة وبسلامة تامة، وتكون لها قيمة حقيقية في المنظومة الطاقوية وأثر واضح على النشاط الإقتصادي الوطني.
حقيقة قطاع الطاقة الجزائري، هو أكثر القطاعات الوطنية تقدما في مجال الرقمنة، لكنه لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لمواصلة تطوير منظومة رقمنة القطاع ككل في الجزائر، فلو نستحضر قطاع الهيدروكاربونات فقط، سنجد عديد النجاحات قد تحققت، بالتأكيد، على وجه الخصوص، المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد، واستقبال المعطيات المستخلصة ومعالجتها، والحفر الأفقي، ونمذجة المكامن والخزانات الأرضية، والتحكم في المنشآت. لكنه لا يزال الكثير من عمليات التجويد الرقمية التي ينبغي القيام بها، خاصة فيما يتعلق بتحسين معدلات النجاح في نشاط الاستكشاف وتجويد التنقيب، عن طريق الأنظمة والمعدات المتطورة للتصوير تحت الأرضي والتحكم عن بعد في ذلك، والرفع من حجم التقديرات للاحتياطيات القابلة للاستغلال والإسترجاع، والرفع من كفاءة الصيانة الوقائية والتدخل عن بعد وتحسين العمليات الصناعية، خاصة تحسين الجودة التشغيلية لسلاسل الغاز والنفط وخفض التكاليف قدر الإمكان من المنبع إلى المصب، والمساهمة في الرفع من كفاءة العمليات الإدارية والبيئة.
حاورته: خديجة قدوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super