غادرنا لدار البقاء الفتى أسامة قاسمي الشاب اسامة قاسمي المبدع الخلوق وهو لم يدرك الثلاثين من العمرـ قلب طيب جميل متسامح وعفيف، مترفع، كريم و أنا لا ابالغ في ذلك.
ولد الفنان الشاب أسامة قاسمي سنة 1991 بمدينة البرج شرق الجزائر، درس بمدرسة الفنون الجميلة بقسنطينة عام 2013، حيث كان يذكر بعدها دائما سيرة أستاذ أحبه بشدة وهو الفنان أمين خوجة.
كان الإلهام الرئيسي في اعماله الفنية هو التعبير عن الطبيعة البشرية و أسرار ظلام الكون و هي تيمة تشكل اغلبية لوحاته التي هي أقرب للجداريات… كانت للفنان الشاب عدة معارض وطنية و دولية منها معرض الدوحة و معرض جوهنسبورغ بجنوب افريقيا و هو لم يبلغ العشرين من العمر ساعتها.
توقف أسامة عن العمل في ادارة الثقافة بولاية البرج لينشئ مؤسسة تصميم غرافيكي و يحولها فيما بعد لتصميم و صناعة الديكور.
وعلى المستوى الفكري والفلسفي يوثق أسامة علاقته كفنان مع ما يدور حوله اجتماعياً وإنسانياً، كما يجعله مدركاً لمتغيرات الدور الذي يقوم به في هذا السياق الجمالي.
بعد مرحلة التشكل التي مرت بها تجربة أسامة قاسمي على مستويات متعددة من التجريب والقلق والمغامرة والتوتر أحياناً تحققت له خصائص فنية تميز أعماله، وتلفت بصيرة المتلقين إلى فضائه التشكيلي الذي يشبهه من حيث الإدراك والتفكير، فالحالة الفنية لدى أسامة تنطلق من مخزون روحي و نفسي يتسم بالشاعرية في انسيابية الألوان وتوزيعها بتقنيات خاص على مساحة اللوحة، كما أنها تنطلق في ذات الوقت من بعد رمزي مشدود باتجاه التعبيرية سواء من خلال التعامل مع الفكرة أو من خلال معالجة الموضوع، لتكون خيطاً فلسفياً واحدا ضمن سياق جمالي ينحاز إلى وجهة محددة سلفاً.
في تجربته الفنية يسعى إلى توصيل الفكرة باختزال من دون إسراف في الألوان، ومن دون أن يغيِّب التأثير الرمزي أو التعبيري، وكذلك من دون إسهاب في التفاصيل المتعلقة بالتشخيص، فالشخوص عنده تتمثل في تكوينات انسانية تتماس مع جدلية حركة النور والعتمة، مع مساقط الضوء والظل، ومع الإيقاعات المتراقصة التي تفرضها ضربات الريشة على المساحات اللونية المتداخلة في تناغم حركي مدهش وممتع من الناحية البصرية والحسية”.
إن الفنان بهذه التجربة اللونية، التي اشتغل فيها على ثنائية النور و الظلام والتي استعمل فيها خامات متعددة منها الاكريليك كخامة اساسية أساسية على مساحات كبيرة من اللوحة تشبه الرسم الجداري، يفتح أفقاً جديداً على مرحلة مغايرة في مسيرته التشكيلية، سيلاحظ المتلقي في هذه التجربة تطوراً في ضربات الريشة الواثقة الممتدة على مساحة اللوحة، وسيلاحظ أن الحركة الانفعالية للريشة هي ترجمة جمالية لانفعالات إنسانية وكونية عميقة، وهي ترجمة تعبيرية من التأمل الروحاني لحالة اليقين بجدوى الخروج من الظلمات إلى النور، فالفنان يرصد العلاقة الجدلية بين القيم الفاتحة المتمثلة عادةً في النور والخير والمعرفة واليقين، والقيمة القاتمة المتمثلة عادةً في الظلام والشر والجهل وعدم اليقين، إنها حالة من الجدل الفلسفي بين لونين لكل منهما دلالته المضادة للآخر، ومع ذلك حاول بناء علاقة إيجابية بين هذين اللونين المتجادلين، ويتضح ذلك من خلال خروجه باللون إلى المنطقة الرمادية التي يقدم فيها حلولاً منطقية للتوازن بين النقيضين: الفاتح المشع والقاتم، وهو بذلك يضعنا أمام الفرضية اللونية المعروفة، وهي إظهار اللون من خلال نقيضه، أي إننا ندرك قيمة النور من خلال مساحة القاتم والعكس، بالإضافة إلى تخيل إمكانية العلاقة الإيجابية بين اللونين في المساحات الرمادية، إنها تجربة مبنية على منطق التأمل، تجربة تكشف عن مخزون هائل لدى فنان ينتصر للفكرة ويتمسك بقيمة المضمون.
مصطفى بوسنة