صحيفة “لوموند” الفرنسية، سبق لها أن أجرت في سبتمبر 2019، حوارا مطوّلا، مع المناضلة والمحامية جيزيل حليمي التي غادرت حياتنا يوم 28 جويلية الفارط؛ وهي المرأة التي ساندت الثورة الجزائرية ودافعت باستماتة عن رموزها، ودافعت عن قضايا التحرر العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. هكذا أعادت الصحيفة نشر الحوار كاملا، في عددها اليوم، ضمن ملف خصّصته للراحلة؛ سأترجم لكم مقطعا من الحوار:
عن سؤال “لوموند”: “كنتِ من المحاميات القلائل، اللواتي دافعن عن الثوّار الجزائريين؟” أجابت جيزيل حليمي:
كان العسكر الفرنسي، وأنصار الجزائر الفرنسية، يصفونني بـ “خائنة فرنسا”، «traîtresse à la France»، عندما كنت أدخل المحكمة للدفاع عن الثوّار الجزائريين، كانوا يبصقون، يستهجنون، يشتمون، ويحاولون ضربي لدى وصولي إلى المحكمة. كانت تصلني مكالمات هاتفية ليلية، على غرار: “من الأفضل لك، أن تعتني بأطفالك، أيتها الفاجرة!”.
«Tu ferais mieux de t’occuper de tes gosses، salope»
وكنت أتلقى أيضا، تهديدات بتفجير منزلي، وكانت تصلني توابيت صغيرة ترسل بالبريد. هكذا تحمّلت ولمدة طويلة التهديدات والتخويف والترهيب، إلى غاية سنة 1961، حين اغتيل زميلان قريبان جدا مني في الجزائر العاصمة، وبعدها وصلتني ورقة، ممضاة من طرف منظمة الجيش السري (l’OAS)، معلنة من خلالها عن قرار الحكم بإعدامي، وذلك بإسداء أمر التنفيذ، لكل مناضل من مناضلي المنظمة السرية، بقتلي فورا، وفي أي مكان أتواجد فيه. ورغم ذلك لم أشعر أبدا بالخوف، ماعدا في ليلة، كنت متواجدة في مركز التعذيب بكازينو كورنيش الجزائر العاصمة، قاموا برميي، داهمني لحظتها شعور بالذنب، إزاء ابني الصغيرين، فقد كانا يبلغان من العمر 3 و 6 سنوات، أن أتركهما لمصيرهما بعد تنفيذ حكمهم.
وفي سنة 1962، ستصدر جيزيل حليمي كتابا بالاشتراك مع الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار، تشيد فيه بكفاح ومقاومة وشجاعة جميلة بوباشا، وتعرضها لكل ألوان البطش والتعذيب من طرف الاستعمار الفرنسي؛ يتضمن غلاف الكتاب بورتريه شهير للمناضلة الجزائرية الكبيرة، رسمه الفنان الاسباني العالمي بيكاسو.
…
لمحة تعريفية: بوداوود عميير، من مواليد مدينة العين الصفراء/ ولاية النعامة، قاص ومترجم، وباحث في الأدب الكولونيالي وكاتب مقالات في العديد من الصحف والمجلات الجزائرية والعربية. ومن بين ترجماته من الفرنسية إلى اللغة العربية، مجموعة من الكتب التاريخية والأدبية، فمن الكتب ذات الصلة بتاريخ الجنوب الغربي الجزائري. ترجم: “لمحة تاريخية عن الجنوب الغربي الجزائري” عام 2008، “كتاب النسب الشريف” عام 2009، “سيدي الشيخ، الشخصية الخارقة” عام 2010. كما ترجم المجموعة القصصية “ياسمينة وقصص أخرى” لإيزابيل إيبرهارت، والتي صدرت في طبعتها الأولى سنة 2011 عن دار القدس العربي في وهران، وعن كِتاب مجلة الدوحة القطرية في طبعة ثانية مزيدة ومنقحة سنة 2015. و”صوب البحر”، مجموعة قصصية صدرت عن دار الكلمة للنشر والتوزيع بالجزائر. وديوان “صديقتي القيثارة” للراحلة صفية كتو، صدرعام 2017، عن دار الوطن اليوم…
بوداوود عميير