اشتغل الفنان على موضوع الحياة الاجتماعية الفقيرة و الكادحة زمن اهتم فيه غالب الرسامين بنقل الحياة الأرستقراطية المترفة و التي كانت تكسبهم المال الكثير.. نعرض اليوم بعض اللوحات التي اهتم فيها بما يسمى أطفال المداخن و هي مهنة انقرضت في يومنا هذا..فلا بأس ان نلقي اليوم نظرة على هذه المهنة من مسافرين في حقبة صعبة من التاريخ الأوروبي..
خلال القرون الماضية، كانت مهنة منظف المداخن ضرورية بالمدن فبدون الأخير تعرضت المنازل لخطر الحرائق بسبب تراكم الرماد بمداخنها وانسدادها. وتمثلت مهمة هذا العامل في تسلق المدخنة من الداخل لإزالة ما يعلق بها من رماد، مقابل أجر زهيد لا يكاد يكفيه لشراء ما يسد رمقه، وقد تزايد الإقبال على منظفي المداخن بشكل لافت للانتباه خلال القرن الثامن عشر، تزامنا مع ارتفاع نسبة التمدين وبداية الثورة الصناعية، حيث اعتمد الجميع حينها على المداخن خاصة بالمنازل من أجل التدفئة.
وأمام ارتفاع نسبة الإقبال عليهم وتزايد مداخيلهم، اتجه المسؤولون عن تنظيف المداخن لاستقطاب الأطفال للعمل لصالحهم. فبفضل حجمهم الصغير، كان الأطفال قادرين على تسلق المداخن الضيقة المصنوعة من الحجر لتسريحها وتنظيفها من الرماد، وبسبب ذلك سمّي الأطفال الذين عملوا بهذه الوظيفة بالأطفال المتسلّقين.
وقد لجأ أرباب العمل للحصول على الأطفال متسلقي المداخن من دور اليتامى وملاجئ المتشردين والشوارع كما لم تتردد بعض العائلات الفقيرة في بيع أطفالها وإرسالهم لهذه المهنة المحفوفة بالمخاطر مقابل أرخص الأثمان.
وأجبر هؤلاء الأطفال على تسلق المداخن بأيديهم وأرجلهم حاملين معهم فرشاة كبيرة مسطحة فوق رؤوسهم ومكشطة صغيرة لإزاحة الرماد العالق. وبالأسفل، تواجد المسؤول عن التنظيف لتحفيز الطفل وممارسة ضغوطات عليه سواء عن طريق دفعه ووخزه بعصا طويلة لإجباره على الإسراع أو عن طريق إشعال النار أسفل المدخنة لإخافته، وعقب بلوغه للقمة، ينزل الطفل مجددا للأسفل لتنظيف المكان وجمع الرماد داخل كيس كبير.
وأثناء تسلقهم للمداخن، عانى الأطفال من خدوش بأيديهم وأرجلهم وفي الغالب تتعفّن هذه الجروح لتسبب لهم أمراضا مميتة. وفي بعض الأحيان، يواجه أطفال المداخن خطر الموت أثناء تسلقهم لإنجاز مهامهم حيث علق بعضهم بأعلى المداخن واختنقوا داخلها تزامنا مع سقوط كميات كبيرة من الرماد الساخن فوق رؤوسهم. أيضا، عانى هؤلاء العمّال الصغار منذ طفولتهم من أمراض مزمنة ومميتة على إثر استنشاقهم لكميات كبيرة من الرماد كما أصيب العديد منهم بتشوهات في أجسامهم، خاصة عند مستوى العمود الفقري والمفاصل، بسبب مكوثهم لفترات طويلة في وضعيات غير سليمة داخل المداخن.
في مقابل كل هذا العمل الشاق المحفوف بالمخاطر، حصل هؤلاء الأطفال على وجبة طعام ومكان للنوم فقط حيث احتفظ أرباب العمل بالأموال لأنفسهم. ولإتمام عمليات التنظيف على أحسن وجه، اعتمد المسؤولون في الغالب على أطفال تراوحت أعمارهم بين 3 و10 سنوات حيث تميّز هؤلاء بحجمهم الصغير وقدرتهم على التسلق داخل المداخن الضيقة فضلا عن ذلك لجأ عدد من أرباب العمل لحرمان الأطفال من الأكل فترات طويلة حفاظا على حجمهم الصغير وهو ما أدى لإصابة العديد منهم بسوء التغذية.
وخلال العام 1803، ظهرت ببريطانيا فرشاة ميكانيكية لتنظيف المداخن ولكن أغلب الحرفاء فضّلوا مواصلة الاعتماد على الأطفال لإنجاز هذه المهمة. سنة 1840، مررت بريطانيا قانونا منعت من خلاله كل شخص يقل عمره عن 21 سنة من تسلق المداخن. وفي المقابل، عرف هذا القانون فشلا ذريعا ولهذا السبب مرّر البرلمان البريطاني قانونا جديدا عام 1875 عرف بقانون تنظيف المداخن أجبر من خلاله العاملون في هذا المجال على الحصول على تراخيص قبل مزاولة مهامهم كما أوكلت لرجال الشرطة مهمة مراقبة تطبيق هذا القانون الجديد. وبفضل ذلك، تراجع عدد الأطفال المتسلّقين، الملقبين أيضا بأطفال المداخن، بشكل لافت للانتباه قبل أن يندثروا نهائيا خلال العقود التالية.
…
لمحة تعريفية: الفنان مصطفى بوسنة رسام هونحات ومصور دخل إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، حيث تعلم قواعد الفن التشكيلي ومداعبة الريشة على يدي كبار الرسامين من أمثال مصطفى عيدود ودينيس ما رتيناز.. تميز المسار الفني لمصطفى بوسنة بالنجاح، حيث أقام عدة معارض داخل وخارج الجزائر. وقد أقام معرضا لآخر اعماله “حديقة النور” في نوفمبر الماضي بالجزائر العاصمة.
الفنان التشكيلي مصطفى بوسنة