حرصا منا للتعريف بالمدارس الفنية و التشكيليين عبر العالم نتحدث اليوم عن فنان من بلد قد نجهل الكثير عن ثقافته..
ولد الفنان سنة 1932 بستوكهولم، وتوفي عام 2003، فنانً سويديً. اشتهر بفنه الفريد، المستوحى من الضوء والظل، والطبيعة في شمال السويد والمشي في الليل بالمناطق الحضرية. درس في سان فرناندو في مدريد بإسبانيا ولاحقًا في أكاديمية فلورنسا بإيطاليا. كما عاش في باريس خلال الستينيات.
بالكاد قال أي شيء عن حياته، كان سرًا. لكن على الرغم من أنه لم يكن يتحدث عن نفسه، كان لا يزال يتحدث عن نفسه.
عمله الفني ثمرة تجارب بصرية بحتة، بدون فلسفة كلامية … فقط ما تراه العين. التقط وشكل باستخدام الألوان. الرؤى التي، بحد ذاتها، تتحدث بقوة لدرجة أنها تحمل في جوهرها رسالة فنية.
غالبًا ما كان غاضب من استجابة المؤسسة الثقافية غير الغائبة لفنه على مر السنين. كان يحرق لوحاته ورسوماته ويرميها في حاوية ويتخلى عنها إلى الأبد. قال إذا لم أسمع كلمة في مجلة “Dagens Nyheter” أو “Svenska Dagbladet” حول معرضي الآن، فهذا يعني أنني انتهيت، و لم يكتب أحد عنه. لكنه لم يحترق ولم يتوقف حتى عام 2003.
إن موته قبل إقامة معرض استعادي كبير، أمر مأساوي.. أعتقد أنه يمكن اكتشاف كل الفنون الجيدة اليوم. لا يوجد شيء مثل الفن الجيد المجهول، لكن ربما يتعلق الأمر أكثر بالمركز والبلد العميق مثل ما هو عندنا بالجزائر. كان فنه في الضواحي. وقف خارج الشبكات الفنية المهمة. لا أريد إضفاء الطابع الرومانسي على “الإستبعاد”. إنه ليس رومانسيًا على الإطلاق، إنه محبط فقط، أراد أن يكون فنه مرئيًا للجمهور، وعرف أنه جيد، وشكك في وضعه وشتم. حتى النهاية.
في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بعد عام من الخدمة العسكرية في ملجأ على بعد 50 مترًا تحت الأرض، شعرت بشعور خانق لدرجة أنني عندما خرجت من تلك الحفرة، توجهت مباشرة إلى الطريق السريع وأنا انتقلت إلى مدريد “.
اعماله تنقلنا الى حينما تصبح الظلال عند الغسق فجأة حية… الأنفاق مع الظلام حيث تتدفق من فتحاتها الصامتة. التي تخفي شيئًا غير معروف و تحكم سرها بإحكام. حراسة الجدران التي تقع خلفها أحداث غير متوقعة.
في أعماله الكثير من الليل، والظلام والوحدة، شيء مهمل. سيارة وحيدة، محطة وقود فارغة، جزيرة منعزلة، رجل وحيد في كشك هاتف، طريق به حادث ما…
وفي رسومات الفحم التي رسمها يان ليلجكفيست. نكتشف إنها مغامرة جسدية تجبرنا على التباطؤ والتفكير. فهي ثقيلة مثل سندان حداد. وفي نفس الوقت تهتز كموجة من النار واللهب. و كأنها ما تزال مثل ليلة صامتة مفاجئة، عندما تتلاشى معتقداتك ببطء.
في رسوماته نرى أشخاص دائما بمفردهم، في المترو أو في كشك الهاتف. إنهم يعيشون في الساعات المريرة قبل الفجر وكأننا نرى فرانسيس بيكون في الصور. لكنه يختفي بسرعة كبيرة … يُظهر ليليكفيست تهديدات مجهولة الهوية، لا تظهر في البشر بل في الظل. ترى ظل الحجر، فقط الظل وليس الحجر.
يمكنك سماع صوت من مروحة، وتظهر ألسنة اللهب من خلال القضبان ؛ الشجرة تحترق. تتجمع ألسنة اللهب من الضوء الشمالي في ثقب أسود؛ زهرة بيضاء تتحول مثل مروحة صلبة حادة. إن الخطير هو السطح الأبيض وليس الأسود. السطح الأسود المتصاعد.
نشعر كأن صوتًا يأتي من الفحم واللهب الأبيض. تنافر حاد مثل مكبح الميترو. لكن هناك صمت، صمت حاد.
الصراع الأخلاقي مع أشعة الضوء المفاجئة والتفجيرات البطيئة في عالم مظلم مهجور. الغموض يرى الواقع كعملية، تدفق للضوء، حي ومدمّر. إن الوجود الإنساني في هذه الدراما ذو شقين: فهو وحيد ولكنه يشارك في آن واحد. فقيرًا وغير محدود. وبالنظر إلى هذه الرسومات السوداء، يبدو وكأنه نوع من التمارين الروحية. نحن لا نفهم المعنى، لكنني أعتقد أن الهدف هو جعلنا فارغين وأحرار.
الأسود والأبيض يسحر جان ليلجكفيست، إنه يخلق عالمًا ليليًا حيث يجتمع الضوء والظل في اتحاد غامض، مستخدمًا بياض الورق لإضاءة الظلام العميق. كائنات مهددة بالكاد يمكن تحديدها، طرق مظلمة تؤدي إلى فتحات وحفر سوداء غارقة، أشجار مثل مشاعل مشتعلة، وأحيانًا تقاطعات … كل شيء له شحنة غريبة.إنه لأمر عجيب ما يمكن فعله بقطعة من الفحم أو الجرافيت وورقة بيضاء.
…
لمحة تعريفية: الفنان مصطفى بوسنة رسام هونحات ومصور دخل إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، حيث تعلم قواعد الفن التشكيلي ومداعبة الريشة على يدي كبار الرسامين من أمثال مصطفى عيدود ودينيس ما رتيناز.. تميز المسار الفني لمصطفى بوسنة بالنجاح، حيث أقام عدة معارض داخل وخارج الجزائر. وقد أقام معرضا لآخر اعماله “حديقة النور” في نوفمبر الماضي بالجزائر العاصمة.
يـــتبع
الفنان التشكيلي مصطفى بوسنة