تشتهر ولاية بومرداس كغيرها من الولايات الساحلية للوطن بإنتاج زيت الزيتون عالي الجودة، وهذا راجع لانتشار أشجار الزيتون بشكل طبيعي في غابات الولاية خاصة في الجهة الجنوبية مع حدود ولايتي البويرة والشرقية تيزي وزو، ومن بين المعاصر المشهورة في المنطقة معصرة “كيارد” التي وصلت إلى العالمية بفضل الميداليات التي ظفرت بها في مسابقات الزيوت العالمية.
قصة نجاح
في معصرة “الإخوة كيارد” في بلدية بغلية ببومرداس، كانت لـ”الجزائر” جولة استطلاعية للتقرب أكثر على هذه المعصرة “العلامة المسجلة” التي استطاعت في ظرف قياسي أن تصنع لنفسها اسما بين منتجي زيت الزيتون في حوض المتوسط، وهذا بدليل الميداليات التي أحرزتها في مسابقات التذوق الدولية، كان آخرها ذهبية مسابقة دبي للزيوت وقبلها ذهبية لندن وبرونزية باريس.
عند وصولنا إلى المعصرة كان باستقبالنا الأخوين سيدعلى وحميد كيارد وهما المالكين لهذه المعصرة العصرية، والملاحظ عند الدخول إلى المؤسسة التطبيق الصارم لقواعد النظافة واحترام إجراءات الوقاية من كورونا.
كانت بداية حديثنا مع سيدعلي حول الفكرة الأولى لإنشاء هذه المعصرة وكيف كانت الانطلاقة التي تشبه المغامرة، حيث عاد إلى سنة 1997 بسبب اعتقاد الأخوين المؤسسين أن “المنطقة خالية من الزيتون وأن اهتمام الناس هنا كان منصبا بالدرجة الأولى على زراعة الكروم (العنب) والحمضيات على حساب اهتمامهم بشجرة الزيتون، وهذا ما جعلهم يترددون قبل الانطلاق”.
وأشار المتحدث إلى أن روح المقاولاتية التي يتميزان بها ساعدتهما في إطلاق المشروع وبدئوا بعصر الزيتون الذي يأتيهم من العائلات، قبل أن تنطلق العائلة في عملية إنتاج الزيت الخاص بهم.
مع بداية الألفية اكتشفت العائلة أن الجبال بالمنطقة تزخر بكمية كبيرة من أشجار الزيتون، فتحمسا للتوسع في المشروع، حيث قاما بزيارة البلدان المجاورة كتونس وإسبانيا وفرنسا وغيرهم لمعرفة الطريقة الصحيحة لعصر الزيتون.
وتابع سيدعلي يقول: “الطريقة التي تتبعها هذه الدول مختلفة عن طريقة العصر عندنا والتي تعتمد على تعريض الزيتون إلى الشمس حتى يخمر وهذا ما ينزع الفوائد الصحية لزيت الزيتون، في الدول الأوروبية وتونس تعتمد على نزع حبات الزيتون البكر القريب من النضوج ويتم عصره مباشرة لتقليل نسبة الحموضة فيه فكلما تأخرنا في عصره تزداد الحموضة وتقل فوائدة، مؤكدا على أن “المستهلك سيتعود مع الوقت على الطعم المر الموجود في الزيت لأنها هي زيت الزيتون الحقيقة التي تستهلك في دول العالم لما فيها من فوائد”.
وفي سنة 2010 قامت العائلة بعملية توسيع للمعصرة من خلال شراء آلات عصرية لعصر الزيتون واتباع المعايير والطرق الحديثة التي تعرفا عليها الأخوان خلال زياراتهما للدول الرائدة في هذا المجال، كما نصح سيد علي المواطنين بتناول الزيت البكر الممتاز ذات الحموضة الأقل من 0.8 ذات القيمة الغذائية العالية والتي نحصل عليها بعد عصر حبات الزيتون قبل إتمام 48 ساعة من نزعها لأنها تحافظ على جودتها ونوعيتها العالية.
وفي رده على سؤال حول تناول الزيت التي تعصرها النسوة بأرجلهن، أشار المتحدث إلى معدل حموضتها العالي الذي يفوق 0.8، ولذلك أكد على اهتمامهم بصحة المواطن الجزائري وحرصهم على تقديم زيت بمواصفات عالمية للمستهلك الوطني.
وفيما يخص عدد العمال قال سيد علي إن “المعصرة توفر 10 مناصب عمل دائم، كما أنهم يخططون لتوسيع الاستثمار واستحداث مناصب شغل أخرى في المستقبل”، وبخصوص الميداليات التي حصلت عليها “زيت كيارد” قال صاحب المؤسسة إن “المنافسة كانت شرسة في مسابقة أثينا ولندن حيث بلغ عدد المشاركين حوالي 360 منافس ومع ذلك كنا من الأوائل وحصلنا على الميدالية الذهبية في لندن”.
وعن سبب مشاركتهم في هذه المسابقات، شرح سيدعلي “الهدف الأساسي هو تعريف العالم بوجود زيت وصناعة جزائرية قادرة على منافسة المنتجات العالمية وهذا ما أثبتناه من خلال تحصلنا على المراتب الأولى في العديد منها”.
وعن مصدر الزيتون المستخدم في العصر يقول شقيقه حميد إن “الزيتون المستخدم للعصر هو من أجود الأنواع على المستوى الوطني، بحيث نبحث دائما عن المزارع الجيدة في مختلف مناطق الوطن من أجل الاستثمار في زيتونها”.
وبصفته خبيرا في مجال الزيوت سألت “الجزائر” حميد عن الفرق بين زيت المعصرة التقليدية والحديثة، فرد قائلا: إن “الجديد خير من القديم” وأن “الزيت المستخرجة من المعاصر التقليدية تكون غير ملائمة لصحة المستهلك وهذا لالتحام الهواء مع الزيتون ما يسبب تكاثر الميكروبات عند العصر، عكس المعاصر الحديثة التي تمنع ملامسة الهواء للزيتون عند العصر ما ينتج زيتا صحيا”.
وفي الأخير، أكد المتحدثان على أن الأسعار التي يعتمدانها في بيع زيتهم “معقولة جدا” خاصة في شهر رمضان المبارك، كما أن المؤسسة “تقوم دائما بتوفير أجود أنواع الزيت بسعر مناسب”.
“بغلية”.. النموذج
يلاحظ الزائر لمنطقة بغلية الواقعة شرقي بومرداس للوهلة الأولى، مدى الانتشار الكبير لأشجار الزيتون في الجبال التي تتميز بها المنطقة، لكن مازال الإنتاج يعتمد على وسائل تقليدية في جني المحصول، بالإضافة للاعتماد بشكل كامل على كمية الأمطار المتساقطة مما يبقي كمية الإنتاج رهينة الطقس والمناخ.
وفي مختلف جبال المنطقة تنبت أشجار الزيتون بشكل طبيعي، فتكون غير منتجة لكن بعد القيام بعملية التطعيم (التلقيم) تبدأ بالإنتاج بشكل جيد. وهذه الخطوة منتشرة كثيرا ومنذ القدم، وهي متوارثة أبا عن جد يستخدمونها لما تقوم به من دور حاسم في كمية الثمار ونوعيتها، وتنطلق عموما في فصل الربيع من كل عام.
وتنضج حبات الزيتون في فصل الخريف بداية من شهر سبتمبر، فيقوم الأهالي بجنيها وجمعها حبة حبة قبل أن يتم إرسالها إلى المعاصر من أجل إنتاج زيت الزيتون.
كما يفضل بعض الأشخاص خاصة النساء عصر زيت بأرجلهن وتسمى محليا بزيت “الكراع” أو الأرجل، وهي طريقة تقليدية وقديمة جدا ما زال البعض متمسكا بها وتستخدم للعلاج خاصة بالنسبة لأصحاب الأمراض الصدرية.
أنواع زيت الزيتون
ولزيت الزيتون أنواع كثيرة، وهذا ما يظهر جليا في أسعارها المتداولة في السوق، النوع الأول والرفيع هو الزيت البكر الممتازة وهي الأعلى الجودة وهذا راجع لنقص الحموضة فيها والتي لا تتعدى 0.8 بالمئة.
أما النوعية الثانية فهي زيت الزيتون البكر الجيد ويفوق زيت البكر الممتاز في مستويات الحموضة. وفي العادة يتم الحصول على هذا النوع من زيت الزيتون من المعصرة الثانية لثمار الزيتون أو من مزيج بين زيت الزيتون البكر الممتاز وأنواع أخرى ذات جودة أقل.
أما الصنف الثالث فهو زيت “اللامبانت” الذي تصل حموضته إلى 2%، ويخضع لعملية تكرير فيما يُستخدم في صنع منتجات فائقة المعالجة. لكن غالبية الجزائريين يستخدمون الزيت في الطبخ مثلهم مثل بقية شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط التي تنتشر فيه شجرة الزيتون.
وفي القائمة نجد أيضا نوع زيت الزيتون المكرر، وهو أحد أكثر الزيوت الاستهلاكية الأكثر شيوعًا، ويتم الحصول عليه من تكرير الزيوت الأقل جودة.
عادة ما يكون مستوى حموضة هذا النوع أقل من زيت الزيتون “اللامبانت” ونكهته خفيفة. وأخيرا هناك زيت تفل الزيتون الأقل جودة، يكثر استخدامه في عدة صناعات. وأحيانا يتم خلطه مع زيوت أخرى عالية الجودة ليصبح صالحا للاستهلاك البشري.
وتعد الزيوت الجزائرية من بين الأجود على مستوى العالم وأفضل من حيث الذوق والفائدة الصحية حيث تستعمل محليا بشكل واسع لأسباب صحية، للحفاظ على صحة القولون وتحسين صحة الشعر والمحافظة على البشرة عند النساء بالإضافة لإنقاص الوزن وعلاج السعال الخفيف الناتج عن نزلة البرد.
وفي هذا السياق يقول فيصل لـ “الجزائر” إنه “لا يزور الطبيب إلا نادرا فهو لا يصاب بالأمراض بسبب تناوله لزيت الزيتون بشكل مستمر”. أما حياة في العشرينات من العمر فترى أن استعمالها لزيت الزيتون هو “للاعتناء ببشرة وجهها بحيث ساعدتها في التخلص من البقع السوداء وكل البثور”.
ويؤكد عمر من الحراش بالجزائر العاصمة الذي قدم إلى معصرة “كيارد” من أجل اقتناء الزيت أن “هذه الزيت لا تختلف عن نظيرتها في إسبانيا وإيطاليا بل هي أفضل منها لأن المناخ عندنا يتميز بسطوع الشمس وانتقال الفيتامين “د” الموجود في أشعتها إلى حبات الزيتون”.
وليد الحداد (ص.م)