في أرجاء السهول الفسيحة والخضراء بالقرى الشرقية لولاية بومرداس ومع بداية فصل الربيع، يبدأ موسم إنتاج العسل الذي يستمر طيلة فصل الصيف، حيث تنتج الجزائر أكثر من 74 قنطارا من العسل، حسب إحصائيات رسمية.
ويعد العسل الجزائري من أجود الأنواع من حيث القيمة الغذائية والطعم، وتتراوح أسعاره ما بين 2500 دج إلى 5000 دج للكيلوغرام الواحد. وللوقوف على واقع إنتاج العسل وتربية النحل، زارت “الجزائر” عددا من المزارع المتخصصة في هذا النشاط، بقرى بلدية بغلية بولاية بومرداس، رفقة أقدم مربيي النحل في المنطقة.
وتوجد في الجزائر سلالتان للنحل هما السلالة التلية التي تتواجد في شمال الوطن وتمتاز بوفرة انتاجها للعسل ومقاوتها للامراض، والسلالة الصحراوية وهي موجودة بالجنوب تمتاز بتاقلمها مع المناخ الحار، وتختلف مدة عيش النحلة حسب تصنيفها داخل الخلية عاملة، ذكر وملكة بالإضافة للفصل الذي تولد فيه النحلة، فتعيش الملكة من سنتين الى خمس سنوات، أما العاملات التي تظهر في فترة الربيع إلى الصيف فتعيش من خمسة إلى ستة أسابيع أما التي تظهر في أواخر فصل الخريف فتعيش من أربعة إلى ستة أشهر.
أما الذكر فيعيش 7 ايام داخل الخلية قبل ان تطرده الملكة، أما من نجح في التزاوج يموت على الفور، بالإضافة لعوامل أخرى تتحكم في حياة النحلة فقد تتعرض للافتراس من حشرات اخرى كالدبابير أو المرض، فالنحلة تتعرض لأمراض متنقلة قد تصل حد الوباء أو الموت بالمبيدات الحشرية والزراعية التي انتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة.
حيث تعتمد الحقول الزراعية بكثافة على هذه المواد لإنتاج المحاصيل بجودة عالية وبكميات كبيرة ما يسبب ضرر للنحلة التي تقوم بجمع الرحيق من أزهار هذه المحاصيل فتكون سامة وعليه تتسبب في موتها.
الخلية الواحدة بإمكانها إنتاج من 15 إلى 25 كيلوغراما من العسل
يقول كمال مزاري الذي بدأ النشاط في هذا المجال سنة 1993، ويمتلك حوالي 200 خلية نحل موزعة على عدد من قرى ومداشر المنطقة لـ”الجزائر” “في أول الأمر نقوم بإحضار “فرخ” النحل، وهو نحل حديث الولادة نقوم بعزله، كما نضع داخله يرقة لا يزيد عمرها عن ثلاثة أيام في الخلية المستحدثة، كما نوفر صندوق آخر قريب من الخلية يكون مملوءا بطعام النحل (سكر ومواد أخرى)، وتقوم الخلية بعدها بإنتاج عسل الملكة، الذي تطعمه لليرقة التي تتغير بنيتها الجسدية في خمسة أيام وتتحول لملكة خلال 30 يوما، وهكذا يتم إنشاء خلية نحل جديدة”.
ويخصوص الفترة التي يحتاجها النحل لإنتاج العسل، قال المتحدث بأنها “تقدر بأسبوع واحد فقط، طبعا إذا توفرت الأزهار، بينما قد تستغرق شهر إذا نقصت”.
وحول أنواع العسل، أضاف مزاري بأن هناك عد أنواعا للعسل يتم إنتاجهم بالمناطق الشمالية للوطن، عسل كل الأزهار ذو الجودة العالية والقيمة الغذائية الكبيرة والطعم المميز واللون الأصفر، وعسل الكاليتوس، يتميز بطعمه المر والحار ولونه المائل للأسود سعره أقل نسبيا من عسل كل الأزهار، بالإضافة لنوع ثالث هو عسل خليط من النوعيين السابقيين، يتم إنتاجه عندما يجمع النحل رحيق كل الأزهار في الربيع والصيف ورحيق أزهار الكاليتوس في الخريف، حيث يخرج هذا النوع الذي يكون مائل للأحمر”.
وفيما يخص كمية إنتاج العسل بالخلية، أجاب مربي النحل ذاته، “في المتوسط تنتج الخلية الواحدة 15 كيلوغراما من العسل وقد تصل إلى 25 ( كليوغرام واحد يساوي لتر ونصف من العسل) إذا كان الموسم جيدا من مناخ جيد، تساقط أمطار في فصل الربيع والحرارة، بالإضافة للعامل المهم وهو الأزهار التي يوجد فيها العسل وهي أزهار نبات التوت البري والفليو، والسلة، بالإضافة إلى أزهار الأشجار كالتفاح والخوخ والمشيمشة والبرتقال، في حين أن هناك بعض الأزهار لا يوجد فيها عسل”.
المبيدات والطقس.. “الخطر”
أما العوامل التي تسبب في إضعاف إنتاج العسل، يقول مربي النحل ذاته إن “العامل الأول والأساسي الذي يضر بإنتاج العسل والنحلة هي المبيدات الفلاحية، التي ترش للقضاء على النباتات الطفيلية في حقول العنب المجودة بكثرة في منطقتنا، حيث تقضي على النحل، أما العامل الثاني فهو حالة الجو، فالجفاف وكثرة الرياح لا تساعد النحل على العيش”.
وبخصوص السلالات الموجودة بالمنطقة، أضاف: “أنها هجين بين السلالة الصحراوية ذات اللون الأصفر والتلية ذات اللون الأسود، ما جعل للون النحلة الموجودة الآن مائلة للبرتقالي”.
وعن سؤال حول الأمراض الأشد فتكا بالنحل أجاب أنه “مرض الجهاز التنفسي للنحلة الذي يصيبها في فصل الشتاء ويتسبب بموتها”.
كما تحدث أيضا عن أفضل موسم في إنتاج العسل، حيث كان ذلك سنة 1997 حيث وصل الإنتاج إلى 45 كلغ في الخلية الواحدة، وعسل الملكة ذي الفوائد الكبيرة الذي يساعد على علاج الضعف الجنسي عند الرجال، وعلاج مرض الكولون العصبي والتخفيف من حدته.
أما عن سعر عسل الملكة فقد صرح مزاري، بأنه يتراوح بين 1000 دج و2500 دج للغرام الواحد.
أسرار إنتاج العسل
إنتاج العسل له خصوصية، وعن الطرق التي يتم إتباعها في إنتاجه، قال المختص في تربية النحل “هناك طريقتان، الطبيعية والتي يتدخل فيها الإنسان، الأولى يتم نزع عسل الملكة من اليرقة عندما تكون تقوم العاملات بإطعامها، والثانية هي نزع الملكة من الخلية مؤقتا ووضع يرقات داخلها من أجل حث العاملات على إنتاج عسل الملكة”.
لكن حسب رأيه فإن “عسل الملكة ذو الجودة العالية هو الطبيعي، الذي ينتج خلال دورة الحياة بينما العسل الملكي الذي يتدخل فيه الإنسان فيكون أقل قيمة لأن النحل لا ينتج العسل الملكي بالجودة المطلوبة”.
طلب متواصل
وبما أن المناطق الشرقية لولاية بومرداس خصبة ومناخها جيد ولا تعاني كثيرا من التلوث كما أنها لا تزال محتفظة بالكثير من المساحات الطبيعية فمنتوجها من العسل يحظى بكثير من الإقبال. وعن أهم الولايات التي يكثر فيها الطلب يقول مربي النحل مزاري “يكثر الطلب عليه من سكان الجزائر العاصمة وتيبازة، بالاضافة لسطيف”.
مشكلة التسويق
وغير بعيد عن المكان ذاته التقت “الجزائر” بمربي النحل سعيد بن عبد الله، الذي طرح مشكلة التسويق التي تواجه المربين، إذ أفاد أن “أغلب المربيين في المنطقة يعانون من تسويق منتجاتهم من العسل، خاصة بعد غلق تعاونيات العسل في فترة التسعينات، حيث كانت هي من تسوقها”.
كما اقترح المتحدث توفير النحل الجاهز لإنتاج العسل للولايات الصحراوية بدل إنتاجه في الولايات الساحلية، لأنها تنتج كميات كبيرة منه، لكنهم يعانون من موت النحل عندما يكون صغيرا وهذا راجع للحرارة الكبيرة، وبالتالي اقترح تبادل المنفعة بين المناطق ليزيد إنتاج العسل عبر أنحاء الوطن”.
وفي الأخير، دعا مربي النحل سعيد بن عبد الله من تقليل استعمال الأدوية الحارقة للأعشاب لأنها تسبب الضرر للنحل، داعيا إلى إيجاد بديل عن هذه الأدوية الخطيرة على البيئة وعلى إنتاج العسل.
وليد الحداد (ص.م)