تحيي الجزائر غدا الاثنين اليوم الوطني للذاكرة المخلد للذكرى ال78 لمجازر الثامن ماي 1945، والتي تبقى شاهدة على فظائع بشعة ارتكبها الاستعمار الفرنسي وستظل محفورة بمآسيها المروعة في الذاكرة الوطنية التي أصبحت محصنة من أي مساومة.
وبالرغم من الاعتراف المحتشم للسلطات الفرنسية ببشاعة هذه الجريمة الاستعمارية من ضمن جرائم أخرى ارتكبت طيلة 132 سنة من الاستعمار إلا أن الدولة الجزائرية قررت “عدم التخلي أبدا عن ملف الذاكرة وعدم المساومة بشأنه مع أي دولة”، مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في لقاء إعلامي مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وكان الرئيس تبون قد شدد في رسالة له بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة السنة الماضية على أن هذا الحرص على ملف التاريخ والذاكرة ينبع من “تقدير الدولة لمسؤوليتها تجاه رصيدها التاريخي، باعتباره أحد المقومات التي صهرت الهوية الوطنية الجزائرية ومرتكزا جوهريا لبناء الحاضر واستشراف المستقبل على أُسس ومبادئ رسالة نوفمبر الخالدة”.
وتابع أن هذا الحرص “ينأى عن كل مزايدة أو مساومة” لصون الذاكرة التي جعل من الدفاع عنها “واجبا وطنيا مقدسا” تم تجسيده على أرض الواقع من خلال إقرار يوم الثامن مايو من كل سنة يوما وطنيا للذاكرة.
وتحتفظ الذاكرة الوطنية بمجازر 8 مايو 1945 باعتبارها مرحلة فاصلة في تاريخ الأمة الجزائرية ومنعرجا حاسما في تغيير فكر المقاومة، بالرغم من كونها أيضا، حرب إبادة جماعية حقيقية تدخل في خانة الجرائم ضد الإنسانية، مثلما وصفها حقوقيون جزائريون وفرنسيون.
وعودة إلى السرد التاريخي للوقائع التي بدأت عقب احتفال الحلفاء بانتصارهم على ألمانيا النازية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، خرج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشوارع بكل من سطيف و قالمة وخراطة وكذا في مدن أخرى من الوطن، استجابة لنداء تنظيم مسيرة سلمية من أجل استقلال الجزائر، غير أن رد فعل الإدارة الاستعمارية كان شرسا وعنيفا بحيث أنها أطلقت موجة من القمع الدامي ضد متظاهرين عزل راح ضحيتها أزيد من 45 ألف جزائري.
فخلال أسابيع عدة استعملت القوات الاستعمارية وميليشياتها كل أنواع العنف مع عمليات تقتيل مكثفة لم تستثن لا الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ، وتم قتل أشخاص عزل رميا بالرصاص وتم نقل آخرين على متن شاحنات لرميهم في المنحدرات، فيما تم نقل آخرين خارج المدن لقتلهم وبعدها تم حرق جثثهم في خنادق مشتركة.
ولإخفاء جريمته الشنعاء، استعمل الجيش الفرنسي أفران الجير للتخلص من جثث الضحايا، غير أن هذه الأفران ظلت شاهدة على واحدة من أفظع الأعمال الإجرامية في التاريخ.
ويبقى إلى اليوم تقرير لجنة تحقيق “توبير” المصدر المهم الوحيد حول حقيقة ما جرى خلال هذه المجازر، ويؤكد هذا التقرير أن العديد من المظاهرات قد جرت في الجزائر ما بين 1 و8 مايو وطغى على جميعها الدافع السياسي، حيث طالب المتظاهرون بإطلاق سراح مصالي الحاج واستقلال الجزائر.
ويعتبر العديد من المؤرخين أن مجازر 8 ماي كانت نقطة الفصل مع المستعمر الفرنسي والنواة الحقيقية لتعبئة ثورية انفجرت في الفاتح من نوفمبر عام 1954.
وبهذا الصدد، قال الشاهد على حرب التحرير الوطني والمناهض للاستعمار، هنري بويو، أن الجرائم التي وقعت بسطيف وقالمة وخراطة مثلت نقطة اندلاع حرب التحرير، مضيفا أن الشهود الذين التقاهم بالجزائر أكدوا له أنهم شاركوا في هذه المظاهرات وبعدها في حرب التحرير كونهم لم يستطيعوا تقبل الإهانة الدائمة باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية في الوقت الذي تم الاعتماد عليهم من أجل محاربة النازية.
واعتبر السيد بويو انه فيما يخص مجازر 8 مايو 1945، فإنه من الضروري “التوقف عن تزوير التاريخ”، وذكر بأن “الخطوة الصغيرة الأولى قد تم القيام بها يوم 8 ماي 2005 من طرف السفير الفرنسي في الجزائر والوزير ميشال بارنيي عندما تم الحديث عن “مأساة لا تغتفر”، لكن هذا يبقى “غير كاف إلى حد اليوم”، مبرزا ضرورة “الاعتراف بهذه الأعمال كونها جرائم اقترفتها فرنسا كما يجب إدانتها”.