حاول لويز ايناسيو لولا دا سيلفا أربع مرات الفوز برئاسة البرازيل قبل أن ينجح أخيرا عام 2002. وكان لولا أول رئيس يساري يحكم البرازيل منذ أكثر من نصف قرن وبقي في منصبه فترتين استغرقتا ثماني سنوات. وعند مغادرته المنصب كان يتمتع بشعبية هائلة. وكلل فوز لولا بالرئاسة في عام 2002 مسيرة غير مسبوقة من الفقر المدقع الى رئاسة الدولة البرازيلية. ووعد لولا الناخبين بأنه سيجري إصلاحات كبيرة للنظام السياسي والاقتصادي السائد في البرازيل. ووعد أيضا بالقضاء على الجوع وخلق أمة تثق بنفسها وتعتني بشعبها وتمديدها الى الخارج. ويقول محللون إن البرامج الاجتماعية التي وضعها لولا وطبقها، والتي عادت بالنفع على عشرات الملايين من البرازيليين، كانت وراء شعبيته الكبيرة الدائمة، كما أنه رفع من شأن البرازيل على المسرح الدولي، وتزعم أطول فترة من النمو الاقتصادي شهدتها البلاد في ثلاثة عقود.
بعد الرئاسة
لم يسمح الدستور البرازيلي للولا بالترشح لفترة رئاسية ثالثة، ولذا خلفته حليفته ديلما روسيف التي تم عزلها من المنصب في وقت لاحق. ولم يستمر الانتعاش الاقتصادي الذي شهده عصر لولا، إذ أعقبه كساد اقتصادي كما اهتزت الحياة السياسية في البلاد بالتحقيق الواسع في قضية فساد طالت كبار القيادات السياسية في البرازيل، والمعروفة باسم فضيحة “غسيل السيارات”. وكان لولا أحد الذين تورطوا في فضيحة الفساد، وفي تموز/ يوليو 2017 وأدين رسميا بالفساد وحكم عليه بالسجن لأكثر من تسع سنوات، وهو حاليا طليق وينوي الاستئناف ضد قرار الحكم. كما يواجه الرئيس السابق تهما أخرى كغسيل الأموال واستغلال النفوذ وعرقلة سير العدالة، وينفي لولا هذه التهم، ويقول مؤيدوه إنه مستهدف دون وجه حق.
الطريق إلى البراغماتية
نشأ لولا في اسرة فقيرة، فهو أبن اسرة فلاح أمي. وعمل في صغره بائعا للفستق السوداني وماسح أحذية ولم يتعلم الكتابة أو القراءة قبل بلوغه العاشرة من العمر. وتدرب فيما بعد في ورشة حدادة حيث أصبح حداداً وعمل في المدينة الصناعية في ضواحي ساوباولو وفقد أحد أصابع يده أثناء العمل. لم يعر لولا العمل السياسي أي اهتمام في بداية حياته، لكن عقب وفاة زوجته الأولى بمرض التهاب الكبد عام 1969 أنخرط في العمل النقابي حيث جرى انتخابه زعيما لنقابة عمال الحدادة القوية التي كان عدد أعضائها 100 ألف عام 1975. ونجح لولا في إحداث تغيير جذري في العمل النقابي في البلاد حيث حولها من نقابات تدور في فلك الحكومات أو مواليه لها إلى حركة نقابية قوية مستقلة. عام 1980 نجح لولا في جمع النقابيين ونخب فكرية وتروتسكيين ورجال كنيسة في إطار سياسي واحد ليؤسس أول حزب اشتراكي في تاريخ البلاد تحت اسم “حزب العمال”. وبمرور الوقت تبنى الحزب مواقف سياسية واقتصادية أكثر براغماتية بدلا من التغيير الجذري للسلطة.
وخسر لولا إنتخابات الرئاسة ثلاث مرات قبل نجاحه في الوصول إلى كرسي الرئاسة عام 2002 بعد أن أيقن أنه لن يصل إلى السلطة دون إقامة تحالف مع قوى سياسية أخرى واستقطاب اللاعبين الاقتصاديين الكبار في الداخل والخارج إلى معسكره، لكن لولا ظل ملتزما بقضايا الفقراء والدفاع عن مبادىء النزاهة ومحاربة الفساد في أروقة الحكم و تشجيع البسطاء على الانخراط في العمل السياسي. قام لولا خلال حكمه بضخ مليارات الدولارات في البرامج الاجتماعية للقضاء على التفاوت الطبقي الشديد الذي كان سائدا في البلاد عبر التاريخ. كما قام برفع الحد الأدنى من الأجور فوق معدل التضخم بدرجة كبيرة. ووسع البرامج الاجتماعية التي كانت تنفذها الدولة لتشمل الطبقات الأكثر حرمانا وفقرا في البلاد عبر برنامج المنح العائلية الذي استفاد منه نحو 44 مليون شخص مما ساهم في تعزبز شعبيته في أوساط الفقراء والمهمشين.
يرى بعض المراقبين أن هذه البرامج فشلت في تحقيق هدفها وهو القضاء على الفقر لأنها تجاهلت الاختلالات البنيوية التي تؤدي الى الفقر مثل مسألة التعليم. كما يرى بعض الاقتصاديين أن البرازيل حققت نموا إقتصاديا مستمرا خلال حكم لولا لكنها فقدت أفضليتها التنافسية على الصعيد العالمي. ورغم ذلك بددت المخاوف التي انتابت الأسواق المالية العالمية وحافظت على استقرارها الاقتصادي وحققت فائضا ماليا في الموازنة. بعد خروج لولا من الحكم تبين أنه مصاب بسرطان الحنجرة مما اضطره إلى حلاقة ذقنه التي اشتهر بها خلال فترة العلاج حيث شفي منه عام 2012. وفارقت زوجته الحياة عام 2017 بسبب نزيف دماغي.
قبل إدانته في إطار ما يعرف بفضيحة “غسيل السيارات”، تعالت الأصوات في صفوف أنصاره للعودة إلى العمل السياسي والترشح للانتخابات الرئاسية المزمعة عام 2018، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أنه الأوفر حظا لو قرر الترشح. البرزايل التي تركها لولا عند خروجه من الحكم لم تعد كما كانت، فقد انتهت فورة أسعار المواد الأولية ودخلت البلاد أسوء ركود اقتصادي خلال ربع قرن، كما ان فضيحة “غسيل السيارات” قد لطخت صورة حزب العمال الذي أسسه لولا حسبما يرى البعض.