تحول مصطلح ” الإجماع الوطني ” أو الدعوة إلى ” الحوار السياسي والإقتصادي ” إلى علامة مسجلة في الخطاب السياسي بين الأطراف السياسية التابعة للسلطة وأحزاب المعارضة في الوقت الذي يظل فيه الوضع يتسم بالضبابية وانعدام الأفق بالرغم من تعيين حكومة جديدة يقودها العائد إلى دفة تسيير الجهاز التنفيذي أحمد أويحيى.
تعتبر حركة مجتمع السلم ” حمس ” من أولى أحزاب المعارضة التي دعت إلى تأسيس ” توافق سياسي واقتصادي وطني واسع وجامع “، ورأت بأنه ” سيكون هدفه حماية البلاد من المخاطر الداخلية والتهديدات الخارجية “، ودعت حركة عبد المجيد مناصرة إلى أهمية تجسيد هذا التوافق لـ ” معالجة وضعية مقلقة بصورة عاجلة “، منبهة إلى ما سمته “حساسية الوضع الإجتماعي”، كما أشارت إلى خطورة ” انهيار القدرة الشرائية، وزيادة نسبة البطالة ” مع اقتراب الدخول الإجتماعي. واعتبرت حركة ” حمس ” وهي أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد ” الراهن الاجتماعي الحالي يمثل خطرا على الاستقرار والسلم الوطنيين “، كما دعت إلى ” توقيف برامج التأزيم والاستقطاب السياسي والمجتمعي، وتعميم حالة اليأس والإحباط وعدم الثقة في مخرجات النضال السياسي “، فقراءة لبيان الحركة نفهم من خلاله أن حزب مناصرة بغض النظر على معارضته للحكومة الحالية، إلا أنه يطرح فكرة ضرورة الذهاب نحو تجسيد الحوار بين السلطة والمعارضة وهذا ما دأب عليه عبد المجيد مناصرة في خطاباته المتكررة منذ أن كان على رأس جبهة التغيير المدمجة حاليا مع حركة مجتمع السلم وتم انتخابه على رأس الحركة لعهدة أولى. ويحمل خطاب ” حمس ” حاليا نفسا جديدا بحيث تحول من المعارضة الراديكالية مع عبد الرزاق مقري إلى معارضة تؤكد على ضرورة التوجه نحو التوافق والحوار والنقاش ولا يهم كيفية إدراج هذه الآليات، المهم أنها تُفعّل لتفتح عهدا جديدا وتمنح نفسا متجددا للدولة.
لكن السلطة التي تطرح بدورها مصطلح الحوار لم تختر هذه المفردة بالتمام، وإنما فضلت في مقابلها ” الإجماع الوطني “، نفس التصور الذي ظل يرافع من أجله حزب جبهة القوى والإشتراكية من دون أن يصل إلى مبتغاه وجوهره الحقيقي أو أن يجد أرضية سليمة لمبادرته الطامحة إلى التغيير السلمي والهادئ من دون إسقاط عنيف للنظام، من جهة أخرى، سبق للوزير الأول الأسبق عبد المجيد تبون أن دعا الشركاء السياسيين والإقتصاديين إلى ” إجماع وطني ” لإخراج البلاد من الأزمة الحالية، ويعتبر الوزير الأول الوحيد الذي دعا إلى إجماع وحوار مع الأحزاب السياسية قبل أن تتم إقالته من طرف الرئيس بوتفليقة عقب خلافه الحاد مع الشركاء الإجتماعيين والإقتصاديين، إلى أن تأتي رسالة الرئيس بوتفليقة أول أمس، بمناسبة يوم المجاهد التي قال فيها ” أن التنمية والسيادة والاستقلال يتطلبون كلهم تعزيز دولة الحق والقانون، التي تستوجب بدورها ترقية الإجماع الوطني، ورص الصف الداخلي للبلاد أمام تحديات عالمنا المعاصر “، مؤكدا في ذات السياق أن ” إجماع وتوحيد القوى شكلا المبتغى الجوهري للمسيرة السياسية التي كان له شرف خوضها طوال هذه السنين انطلاقا من الوئام المدني ومرورا بالمصالحة الوطنية “.
وفي ذات السياق تعرف العلاقة بين جزء كبير من المعارضة والسلطة جفاء مزمن جراء الوثيقة التي رفعتها أحزاب المعارضة منذ 2014 تاريخ فوز الرئيس بوتفليقة بعهدة رئاسية رابعة والمتمثلة في ضرورة الذهاب نحو انتقال ديمقراطي جذري يقطع نهائيا مع الممارسات السابقة، وهذا ما رفضته السلطة، إضافة إلى رفع بعض شخصيات المعارضة لمواقف ” محرجة ” بالنسبة للنظام من قبيل ” شغور منصب الرئيس ” وضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور ما يجعل أي حوار أو نقاش بين السلطة والمعارضة متوقف ومكبوح، إلى غاية حدوث المعجزة السياسية، التي تبحث عليها مختلف الأطراف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإخراج البلاد من أزمتها خاصة الإقتصادية والمالية بالأساس.
إسلام كعبش