• نحو تحريك دعوى في مقتل القذافي أمام محكمة الجنايات الدولية
تتواصل متاعب الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي مع قضاء بلاده بخصوص الاتهامات الموجهة إليه بتمويل الرئيس الليبي “المغتال ” معمر القذافي لحملته الانتخابية للرئاسة سنة 2007، حيث لا تزال هناك مستجدات تطرأ في الموضوع ينقلها الإعلام الفرنسي من حين لآخر تتعلق بأموال وحسابات تلقاها ساركوزي شخصيا ومقربين منه تعود للعقيد الليبي أو وسطاءه فيما يصفها البعض بـ ” أخطر قضية ” في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة.
أعادت الذكرى السادسة لاغتيال قائد ” الجماهيرية الليبية معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011 من طرف مجهول إلى الواجهة قضية العلاقات المخفية التي كانت تربطه بالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (2007-2012) والاتهامات الموجهة إلى هذا الأخير بخصوص عمولات مالية من القذافي تحصل عليها من طرف وسطاء إضافة إلى اتهامات من أطراف متعددة تؤكد أن “ساركو” يقف شخصيا وراء مقتل القذافي على يد ” الثوار “. نهاية حكم القذافي في ليبيا سنة 2011 فتحت باب الجحيم على هذا البلد الجار للجزائر من جهة الجنوب الشرقي الذي لا يزال يصارع من أجل إيجاد مخرج سياسي لأزماته التي لم تسمح له بتأسيس الدولة الليبية والتكفل بمحاربة الإرهاب العالمي على رأسه تنظيم ” داعش ” الذي أصبح يجد في ليبيا المكان الإستراتيجي للتوسع وضرب دول المنطقة وتعميم الفوضى، مثال ( إعتداء تيقنتورين، الهجوم الإرهابي على بن قردان في تونس) هذا بالرغم من كل المحاولات الدبلوماسية التي تباشرها الكثير من الدول على رأسها الجزائر لحلحلة الأوضاع وإيجاد مخرج آمن لليبيا ينهي حالة اللاإستقرار الأمني والسياسي وحتى الاقتصادي.
وإذا عدنا إلى قضية تمويل حملة الرئيس الفرنسي الأسبق للانتخابات الرئاسية سنة 2007 من طرف القذافي فإنه حسب تقرير للشرطة الفرنسية الخاصة بالتحقيق في قضايا الفساد وهي التي تبحث في قضية التمويل غير الشرعي لحملة نيكولا ساركوزي للانتخابات الرئاسية في فرنسا التي تلقاها من القائد الليبي الراحل معمر القذافي فإن كلود غيان وزير الداخلية في حكومات ساركوزي ومدير حملته الانتخابية والمستشار بالقصر الرئاسي “الإيلزيه” تحصل على 800 أورو من ماي 2003 إلى نهاية سنة 2012، هذه المعلومة بإمكانها أن تمنح معطيات وتفتح للقضاء الفرنسي شهية تعميق التحقيق في هذه القضية الساخنة التي تربك المشهد السياسي الفرنسي في كل مرة يتم طرحها أمام الرأي العام. وحسب الموقع الإخباري الفرنسي ” ميديا بارت ” المعروف بأنه مفجر قضية تمويل القائد الليبي الراحل لحملة ساركوزي ذكر مؤخرا اسم وزير داخليته كلود غيان كأحد الغارقين في هذا الملف إلى جانب ساركوزي، ومن بين المعلومات التي يذكرها المصدر ذاته أن التحقيق الذي تباشره الجهات الأمنية توصل إلى أن ” حقائب كانت تحمل سيولة مالية تسلمها كل من كلود غيون ونيكولا ساركوزي من طرف الوسيط رجل الأعمال الفرونكو-لبناني زيد تقي الدين. مبالغ وصلت إلى خمسة ملايين أورو “، ويقول موقع ” ميديا بارت ” أن كلود غيون لوحده تسلم ” حوالي 200 ألف أورو من خلال هذه العملية “. وتجدر الإشارة إلى أن رجل الأعمال الفرنسي من أصل لبناني زياد تقي الدين اعترف في وقت سابق بأنه لعب دورا بنقله مبالغ مالية من طرابلس إلى باريس.
ويستمر شبح معمر القذافي في ملاحقة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، الذي قد يحاكم نهاية السنة الجارية بتهمة الفساد المالي، بعدما وصفه تقرير للنيابة العامة بـ ” المجرم المخضرم ” وقد ينتهي به المطاف في السجن. وسبق أن نشرت جريدة ” لوموند ” الفرنسية في عدد نهاية الأسبوع ملخص تقرير للنيابة العامة مكون من 79 صفحة، يعالج تورط الرئيس ساركوزي في ملفات فساد مالي وسياسي، وأساليب مافياوية حسب الصحيفة في استعمال هاتف لهوية غير معروفة لتفادي المراقبة. ويعاني ساركوزي أمام القضاء الفرنسي الذي سبق وأن أمر باعتقاله خلال جويلية 2014 بتهم الفساد المالي، واستغلال موظفين لمعرفة سير التحقيق في الملفات الجنائية التي يجري التحقيق بشأنها وهو متورط فيها. وفي ذات السياق يلاحق القضاء الرئيس الأسبق ساركوزي في ملفات متعددة، ومنها ملف تمويل الرئيس الليبي المغتال معمر القذافي لحملة ساركوزي الرئاسية سنة 2007 مقابل خدمات سياسية، وهي الحملة التي فاز فيها ساركوزي برئاسة فرنسا وانتهت في 2012 بعد انهزامه أمام المرشح الاشتراكي آنذاك فرونسوا هولاند.
وتتوفر النيابة العامة الفرنسية على أدلة قاطع حول التمويل الليبي، فعلاوة على زياد تقي الدين هناك شهادات لمسؤولين ليبيين أكدوا تمويل حملة ساركوزي، ويسود الاعتقاد بأن تدخل ساركوزي في ليبيا للقضاء على القذافي كان بهدف تقسيم البلاد واغتيال الزعيم الليبي قبل تقديمه وثائق تورط ساركوزي في قبض عمولات من طرفه، ومن المنتظر تقديم ساركوزي للمحاكمة نهاية السنة الجارية بهذه التهم، ومنها الملف الليبي ليكون شبح القذافي قد جعل من ساركوزي مجرما مخضرما، ولم يسبق لأي رئيس فرنسي سابق أن جرت ملاحقته في ملفات فساد مثل ساركوزي.
وفي ذات السياق، عادت المحامية والمدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية الغامبية فاتو بن سودا خلال زيارتها الأخيرة إلى مالي إلى إعادة تحريك الدعوى القضائية السابقة ضد نيكولا ساركوزي في قضية مقتل العقيد الليبي معمر القذافي، حيث وجهت له تهمة المسؤولية في مقتله في أكتوبر 2012، وأجمعت 15 جمعية ومنظمة دولية إفريقية من المجتمع المدني في تكتل مشترك إلى محاكمة ساركوزي في قضية “مقتل القذافي ومعه 50.000 ألف ضحية ” خلال تدخل حلف شمال الأطلسي ” الناتو ” لإسقاط النظام الليبي بحجة دعم الثورة الليبية ” 17 فبراير “. ويتبنى هذه القضية الشاعر الموسيقي الايفواري تيكان جاه فاكولي. وقالت المنظمات ذاتها خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة المالية باماكو الأسبوع الماضي، إن استفحال ظاهرة الإرهاب في مالي ومنطقة الساحل ” جاء نتيجة لمقتل معمر القذافي “. ودعت المنظمات الحقوقية، محكمة الجنايات الدولية إلى محاكمة ساركوزي، محملة إياه مسؤولية ” الحرب في ليبيا “، وأوكلت المنظمات محاميا كنديا قام برفع الدعوى يوم السابع من شهر أكتوبر الجاري، أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وبالرغم من تحرك هذه المنظمات الإفريقية من غينيا وبوركينافاسو والسينغال في هذه الدعوى القضائية، إلا أن المنظمات الجزائرية والمغاربية عموما، على الرغم من تضرر دولها من الحرب على ليبيا لم تتحرك مدعمة موقف نظيرتها الإفريقية.
و بالتزامن مع ذلك، طالبت النيابة المالية الوطنية في فرنسا (بي أن أف) بمحاكمة ساركوزي، وكذلك محاميه تييري هرزوغ المتقاعد، والقاضي السابق جيلبار أزيبار الخاضع للتحقيق في قضية بدأت منذ ثلاث سنوات، والمتعلقة بما يعرف بقضية التنصت، ووجهت النيابة إلى ساركوزي تهمة الفساد واستغلال النفوذ وانتهاك السرية المهنية، وكان رئيس فرنسا الأسبق قد مثل أما المحكمة في قضية أخرى، يشتبه فيها بأنه حاول الحصول على معلومات سرية لدى القاضي في محكمة التعقيب جيلبار أزيبار، ضمن إجراء طلب فيه باسترجاع مذكراته الخاصة بقضية بيتونكور، والتي قضت المحكمة فيها بعدم سماع الدعوى بالنسبة إلى ساركوزي في العام 2013، ويعود أصل القضية حسب الإعلام الفرنسي إلى مكالمات هاتفية للرئيس الفرنسي الأسبق مدرجة في تحقيق آخر، ذلك المتعلق بتهم تخص التمويل الليبي لحملة ساركوزي الرئاسية في العام 2007.
إسلام كعبش