الباكلوريا المثير للجدل
لم تكن سنة 2017 بردا وسلاما على وزيرة التربية نورية بن غبريط، سنة عرفت إقرار تنظيم دورة لبكالوريا استثنائية دون الرجوع لرأي المسؤولة عن القطاع، وهي التي رأت ضرورة حذف البسملة من الكتب والمقررات المدرسية، سنة سجلت عجز الوصاية عن توفير الكتب المدرسية والأساتذة، سنة رفضت فيها وزيرة القطاع نورية بن غبريط الاعتراف بحقوق عمال قطاعها الذين لم يجدوا سبيلا لتحقيق مطالبهم سوى الاحتجاجات السلمية والإضرابات.
النقابيون يصفون السنة بـ”الأسوأ”
اعتبر الشركاء الاجتماعيون في قطاع التربية سنة 2017 الأسوأ من بين السنوات بالنظر “للقرارات الارتجالية والتغييرات المفاجئة التي اتخذت دون استشارة الفاعلين في القطاع الذي اجمعوا على أنهم طالما حذروا منها، في مقدمتها قرار بن غبريط القاضي بالإقصاء من البكالوريا والذي خلق الكثير من المشاكل أدت إلى الإعلان عن بكالوريا استثنائية خاصة بهم رغم التحذير من أن سياسة الإقصاء تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها وهو الأمر الذي حدث فعلا، بالإضافة إلى مسابقة التوظيف التي شهدت عملية تصحيحيها أيضا العديد من التجاوزات بعد أن قوبلت بمقاطعة الأساتذة لعملية التصحيح الأمر الذي دفع الوزارة إلى اللجوء إلى مصححين لا علاقة لهم بالعملية مستنكرين في الوقت ذاته غياب التكوين بالنسبة للأساتذة الجدد والذي كان قصيرا وشكليا وكذا الدخول المدرسي الذي كان سيئا للغاية في جميع جوانبه رغم التطمينات التي قدمتها الوزارة آنذاك بهذا الشأن والتي اصطدمت بواقع مغاير تماما لما تم الترويج له إعلاميا بما فيه من نقص في التأطير بجميع أنواعه بدءا بغياب الكتب المدرسية، وكذا التغييرات غير الشاملة التي شهدها البرامج في كل مرة، واصفة إياها بالإصلاحات العرجاء، ناهيك عن المشاكل المتعلقة بالتسيير والتي شهدت على إثرها العديد من الولايات سلسلة من الإضرابات المفتوحة والتي جاوزت الشهر وهو الأمر السابق من نوعه ـ حسبهم ـ.
دورة استثنائية للبكالوريا
على غرار السنتين الماضيتين اللتين شهدتا تدخل الحكومة في العديد من قرارات وزيرة التربية نورية بن غبريط، والتي كانت أولاها في مارس 2015 بتدخل الوزير الأول آنذاك عبد المالك سلال، لوقف إضراب النقابات الذي دام لأكثر من 45 يوما ومنحهم رخصة استثنائية لترقية 145 ألف موظف إلى غاية جوان 2017، ليأتي بعدها قرار 20 ديسمبر 2016 القاضي بتمديد عطلة الشتاء الى 20 يوما لتهدئة غضب الأولياء إزاء قرار تقليصها إلى 10 أيام، ليضاف إليها قرار 5 جوان من ذات السنة القاضي بإعادة جزئية لامتحان شهادة البكالوريا دورة 2016، عقب فضيحة التسريبات التي امتدت على مدار 4 أيام كاملة لضمان مصداقية الامتحان، ميزت الدورة الاستثنائية للبكالوريا لفائدة المقصيين بسبب التأخر عن الالتحاق بمراكز إجراء الامتحانات والتي أعلن عنها الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون في 23 جوان 2017 خلال الجلسة العلنية بالبرلمان وهو القرار الذي جاء معاكسا لرغبة بن غبريط التي بدت متفاجئة في غرفة البرلمان وأعطت الانطباع على أنها لم تكن على دراية بالأمر بتاتا لحظة الإعلان عن القرار، سيما وأنه صدر عن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة نفسه، في الوقت الذي سبق وأن فصلت في الأمر نهائيا بعدم الصفح عن المتأخرين، مهما كان الأمر، من منطلق أن حالات التأخر التي وصلت لـ 30 دقيقة كانت وراء تسريبات المواضيع عبر شبكات التواصل الاجتماعي في امتحانات الشهادة خلال 2016 والتي أدت إلى تنظيم دورة ثانية للبكالوريا آنذاك.
“تكرار سيناريو تداول المواضيع”
كما سجلت هذه السنة أيضا عودة سيناريو الغش رغم تظافر الجهود بين العديد من الوزارات على غرار التربية والبريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، أُسدل الستار على امتحان شهادة البكالوريا 2017 على وقع تكرار سيناريو قطع الانترنيت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي للعام الثاني على التوالي رغم تطمينات وزيرة التربية نورية بن غبريط قبل أيام من انطلاق الامتحان بعدم اللجوء إلى الأمر بالنظر لترسانة الإجراءات المتخذة لهذا العام، غير أن البكالوريا سجلت العديد من الإنفلاتات على غرار التسريبات وتداول المواضيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي فرضت نفسها للسنة الثالثة كأمر واقع بعد 15 دقيقة فقط من الإعلان عن انطلاق الامتحان في يومه الأول، ليتسارع رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى البحث عن الحلول ونشرها، الأمر الذي رجّح تمكن المترشحين من الاطلاع عن الحلول والأجوبة وإن لم تكن كلها فالبعض منها، الى جانب تسجيل أزيد من 600 حالة غش باستخدام الهواتف النقالة و”البلوتوث” منع إدخالها إلى قاعات الامتحان، غير أن المسؤولة الأولى على قطاع التربية قللت من شأن الأمر باعتبار أن نشر المواضيع بعد انطلاق الامتحان لا يعد تسريبا ولن يكون له أي تأثير على سير بكالوريا هذه السنة، والأدهى والأمر أن التداول لم يتوقف طيلة أيام الامتحان رغم مُسارعة وزيرة القطاع رفقة وزيرة البريد وتكنلوجيات الإعلام والاتصال هدى فرعون للعام الثاني على التوالي إلى قطع الانترنيت وغلق شبكات التواصل الاجتماعي عبر تقنية الجيل الثالث والرابع ومحاربة الصفحات التي نشرت المواضيع على “الفيسبوك” على مدار أيام الامتحان الخمسة، متسببة بذلك في إيقاف عمل العديد من المؤسسات طيلة المدة.
مطالب بإنشاء مجلس أعلى للتربية
وكان للأخطاء المسجلة على مستوى كتب الجيل الثاني نصيب في ترك وصمة العار في قطاع التربية لسنة 2017، التي ظلت تلاحق الوزيرة نورية بن غبريط منذ تبنيها لإصلاحات الجيل الثاني والشروع في العمل بها ويتعلق الأمر بجملة الأخطاء التي سجلت على مستوى كتب السنة الثانية والثالثة متوسط لمادة اللغة العربية والتي اعتبرت بالإجماع على أنها عبارات منافية للأخلاق وتساعد على تربية التلاميذ على ثقافة خاطئة داخل الأسرة وتشجع على الانحلال الخلقي داخل المجتمع باعتبار أنهم في سن المراهقة ويعيشون في مجتمع محافظ لا يليق فيه لمثل هذه العبارات أن تدرس، هذا ولم يقتصر المشكل بالأخطاء البسيطة بل تعداه الى المواضيع العامة في البرامج والمناهج التي ركزت على تدريس أهم الشخصيات الوطنية التاريخية بالتركيز على المظهر العام وتجاهل البعد الحقيقي لها كما تم تسجيله في أحد الدروس التي يعرفون فيها مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر بالتركيز على مظهره الخارجي ووصفه على انه كان جميلا ومفتول العضلات مغيبين تاريخه النضالي والمعرفي والعلمي له، الأمر الذي اقلق الوسط التربوي الذي شدد على أن مثل هذه الدروس لا يمكن للأستاذ تغييرها سيما وأن القضية لا تكمن في الأخطاء الإملائية أو في تغيير مصطلحات بأخرى، الأمر الذي يستوجب على بن غبريط بالإسراع في تشكيل لجان مختصة عبر كل ولايات الوطن لتصحيحها وإعادة النظر في محتوياتها التي وصفوها بالسطحية ، الوضع الذي يستدعي ـ حسبه ـ إنشاء المجلس الأعلى والمرصد الوطني للتربية، هذا و ت تسجيل تنصل وزيرة التربية من مسؤولية الأخطاء ورميها على عاتق المؤلفين بالرغم من أن الكتب المدرسية تمر بعد تأليفها و قبل طبعها على لجنة المتابعة الخاصة بوزارة التربية هذه الأخيرة التي تعيد دراسة محتوياتها لتفادي الوقوع في الأخطاء.
أقسام دون أساتذة.. وتلاميذ في بحث عن الكتب
بعيدا عن الجدل الذي فجرته قضية البسملة، قضت العائلات هذه السنة وتحديدا مع الدخول المدرسي أسابيع تعدت الشهر الواحد، هائمة على وجهها بحثا عن الكتب المدرسية لأبنائها هذه الأخيرة التي شلت تفكيرها وارهقت كاهلها، فبعد أن كانت الدولة هي المسؤولة عن منح الكتب في المدارس على أن تستعيدها مع نهاية السنة حتى ولو كانت في حالة رثة تحت شعار “مجانية التعليم” ، تحول الدخول المدرسي الى كابوس يطارد أولياء التلاميذ بعد ان انتقلت عمادة بيع الكتب من المدراس الى المكتبات الخاصة، الوضع الطي تمخض عنه قرار المصالح الاقتصادية بالتخلي عن عبء بيع الكتب المدرسية دون مقابل، الأمر الذي أدخل العائلات في دوامة البحث عنها سيما وانه لم يوزع منها العدد الكافي لتغطية الطلب، ليصطدم بعدها التلاميذ واوليائهم بواقع أمر تمثل في غياب أساتذة العديد من المواد عن اقسام الدراسة بعد إحالة ما يفوق 40 الف أستاذ عن التقاعد ورفض الكثيرين ممن افرزتهم فترة فتح القائمة الاحتياطية الولاية الالتحاق بمناصبهم لبعدها من مقر سكناهم وعدم تكفل الوصاية بتوفير الإقامة لهم، الامر الذي تواصل الى غاية شهر نوفمبر.
احتجاجات متتالية وعجز عن احتوائها
على غرار السنوات الماضية شهد القطاع أيضا هذه السنة احتجاجات متتالية لمختلف طبقاته العمالية من أساتذة ومفتشين ومصالح اقتصادية ومستشاري تربية انتفاضا منهم على القرارات الارتجالية لوزيرة التربية نورية بن غبريط والتسيب الذي يطبع تسيير القطاع ـ حسبهم ـ، حيث شهدت السنة احتجاجات وإضرابات شهرية لأساتذة وعمال لمختلف المصالح المنضوين تحت لواء التكتل النقابي تنديدا على قانون التقاعد والتحذير من تمرير مشروع قانون العمل وتدني القدرة الشرائية والمطالبة بتوسيع الحوار الاجتماعي، وحرية العمل النقابي، بالإضافة الى عديد الوقفات الاحتجاجية المنظمة من قبل مختلف عمال القطاع أيضا امام مديريات التربية و التي ماتزال مستمرة استنكارا منهم على تماطل الوصاية في التكفل بانشغالاتهم والتي لم تتمكن الوزيرة نورية بن غبريط من احتوائها على الرغم من حرصها على فتح ابواب الحوار والتشاور، هذه الأخيرة التي لم تفرز ـ حسبهم ـ غير القرارات ووعود ظلت حبرا على ورق.
وفاء مرشدي