الأحد , نوفمبر 17 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الوطني / الدكتور عمر هارون خبير اقتصادي لـ "الجزائر"::
“الرفع الكبير للدعم سيؤدي إلى إشعال الجبهة الاجتماعية”

الدكتور عمر هارون خبير اقتصادي لـ "الجزائر"::
“الرفع الكبير للدعم سيؤدي إلى إشعال الجبهة الاجتماعية”

• كيف استقبلتم تصريح وزير المالية عبد الرحمن راوية حول توجه الحكومة نحو سياسة رفع الدعم عن المواد الأساسية ابتداء من سنة 2019 ؟
من الناحية النظرية، الكلام الذي قاله وزير المالية ليس بالكلام الجديد، ففي نهاية السنة المنصرمة صرح الوزير الأول أحمد أويحي من البرلمان أن الجزائر تجهز خطة لإعادة النظر في الدعم المقدم للفئات المختلفة والذي أصبح يقدم بشكل غير عادل لكنه أكد أن الأمر لن يطبق في ميزانية 2018 لأن الدراسات لم تكتمل وكانت إشارة واضحة أن الأمر قد يطبق في ميزانية الـ 2019، خاصة أن التوجه المتطرف الذي أخذته الحكومة بتعديل قانون النقد والقرض في الجانب المتعلق باقتراض الخزينة العمومية من البنك المركزي بشكل غير محدود، وهو ما سمي أنذاك بالتمويل غير التقليدي، حيث نجحت الحكومة في تعديله، دل على شح السيولة داخل شريان الجهاز البنكي العمومي والخزينة العمومية التي لم تعد قادرة على تمويل كل تحركات الحكومة حيث قدرت المبالغ المخصصة لسداد الدين العام لوحده 400 مليار دينار جزائري، خاصة أن الجزائريين لا يثقون في جهازهم المصرفي ولا يتعاملون بالمعاملات الإلكترونية مما يعني أن جل الأموال التي تتسرب إلى السوق لا تعود للجهاز البنكي، الأمر الذي جعل السوق السوداء تحصي حوالي 50 مليار دولار خارج الأطر البنكية، كل هذه المتغيرات مع تراجع أسعار المحروقات جعلت الحكومة غير قادرة على إبقاء نفس مستوى الإنفاق العمومي، كل هذا وبنك الجزائر لم يعد قادرا على المحافظة على أسعار الصرف في حدود معقولة نظرا للكم الكبير من الاحتياطي الصرف الأجنبي الذي تفقده الجزائر دوريا بسبب تعاملاتها الخارجية، والتي يذهب جزء كبير منها لتغطية حاجات استيراد الموارد الغذائية الضرورية، على غرار بودرة الحليب القمح اللين ، السكر، الزيت، البنزين وغيرها من المواد المستوردة والمدعمة من قبل الخزينة، كل هذه المعطيات تجعلني أقول نعم لإعادة ترشيد الدعم المقدم، لكن يبقى السؤال كيف سيكون الأمر ؟
• الحكومة تقول أن الأمر له علاقة بإصلاحات اقتصادية من الجيل الثاني لتحريك عجلة الاستثمار، إلى أي مدى يعتبر الأمر صحيح ؟
ربما الجزائر آخر دولة لا تزال فيها الحكومة تمسك بزمام الأمور في ما يتعلق بالاستثمار، فتفاوض الجميع من أجل خلق استثمار محلي، لكننا لحد الساعة لم نستطع توطين أي مجال في الجزائر، فلا نحن تخصصنا في مجال تكرير المحروقات ولا الصناعات التحويلية الفلاحية ولا الميكانيكية التي راهنا عليها مؤخرا، وكل هذا راجع لغياب رؤية استثمارية في المجال الاقتصادي لدى الحكومات المتعاقبة، خاصة أن لا أحد يعمل على تحسين ترتيب الجزائر في مختلف التصنيفات الدولية التي جعلت مناخنا الاستثماري من الأكثر تدهورا على غرار مؤشر dwing business الذي جعلها في المرتبة 163 من إجمالي 190 دولة، وأظن أن هناك مغالطة كبيرة في ربط الإصلاحات في المجال الاستثماري مع رفع الدعم والإصلاحات الاقتصادية الموسومة بإصلاحات الجيل الثاني التي لم يعرف لها لحد الساعة معالم واضحة، أو آفاق محددة حتى نهاية 2030، وهي الفترة التي حددت للأمر، خاصة أن الجزائر لحد الساعة لم تنظم آليات الشراكة مع القطاع الخاص من خلال عقود PPP أو الـ BOT ، كما أن إبقاء السوق الجزائرية مغلقا وحكرا على مجموعة من المستثمرين جعل الاقتصاد الوطني ضعيف وغير قادر على المنافسة نظرا لأنه لا يعرف معنى المنافسة أو التعامل مع الشركات الكبرى، فالإصلاحات الاقتصادية تحتاج إلى المزيد من الانفتاح على العالم، وترغيب الأجانب في الدخول وتوطين استثماراتهم في الجزائر التي تقدم إعفاءات ضريبة الأعلى في العالم، وتملك المواد الأولية الأرخص في العالم ويد عاملة قابلة للتأهيل وبأجور زهيدة، وكل هذا لن يتوفر ما لم يسارع أصحاب الحل والعقد إلى خلق وزارة اقتصاد لتسيير مختلف الملفات التي يتم تشاركها بين مجموعة من الوزارات.
• تؤكد حكومة أويحيى على أن الدعم يمس كل الطبقات بما فيهم الأغنياء، إذن كيف يمكن حصر العائلات المحتاجة للدعم ؟
المعروف على الوزير الأول قدرته على تقديم الإشارات والتلميحات بشكل دقيق، وأظن أنه كان يقصد استفادة الأغنياء من الدعم من خلال قدرتهم على تخفيض الأجور، ورفع القدرة الشرائية للجزائري الذي سيستهلك سلعهم، بالإضافة لأن المعروف أن الانفاق العمومي يخدم بشكل كبير الأغنياء أصحاب الاستثمارات، فالطريق السيار يمكن أن يستعمله المواطن العادي مرة واحدة في الأسبوع لكن المستثمر يستغله لنقل سلعه ومواده الأولية بشكل دوري، وهو ما يعني أن على الأغنياء أيضا من جهة أخرى رد الجميل للحكومة من خلال مزيد من البذل والعطاء، خاصة في الجانب الاجتماعي، حيث نرى شبه انعدام لمساهمة المستثمرين الكبار في الحياة الاجتماعية فلا يقدمون ملاعب ولا مدارس ولا طرق ولا حدائق وهو جزء مهم لصورة المؤسسة حيث تقدم الشركات الأجنبية في العالم العديد من الهبات والمساعدات للمواطنين الذي يعيشون في المناطق التي تتواجد فيها مصانعها كعربون تعاون ومحبة ونوع من الإشهار لصورة المؤسسة رغبة في جلها جزء من النسيج الاجتماعي للمجتمع.
• هل بإمكان الحكومة في هذا السياق اتخاذ قرارات تخص رفع أجور العمال والموظفين بما يتناسب مع المعطيات الجديدة للسوق الجزائرية بالتوازي مع رفع الدعم العام ؟
هناك اقتصاديا ما يعرف بالأجر العادل، وهو الأجر الذي يغطي احتياجات المواطن بشكل كامل، ويحدد على شرائح حيث يكون الحد الأدنى المضمون يغطي الحاجات الأساسية والضرورية للمواطن، ثم يبدأ الأجر في الارتفاع كلما زادت المشقة أو حساسية المنصب، وفي المرحلة الأولى لرفع الدعم لا أظن أن الجزائر ستغامر بشكل كبير، فالدول الليبرالية تقوم بتحرير أسعار السلع لكنها في المقابل تقوم بتحرير الأجور ويبقى دور الدولة هو المراقبة وضبط مختلف القطاعات، لمنع حدوث اضطرابات في السلع والخدمات خاصة الضرورية منها، وهو عكس ما تقوم به الحكومة الجزائرية حيث تقوم هي بدعم السلع والخدمات التي تراها ضرورية، وتدعم السلع لكل المواطنين حتى وإن لم يستفيدوا منها، ونظريا على الدولة تحويل هذا الدعم من السلع والخدمات ودمجه في الأجور، لتبقى بعض الفئات على غرار معدومي الدخل، العجزة الأطفال الصغار بحاجة لدعم مباشر، وهي آلية معقولة لكن يبقى غياب الإحصائيات الدقيقة أمر معيق لتنفيذ هذا النوع من السياسات التي يوجه فيها الدعم بشكل مباشر.
• هناك تخوف من تأثير هذه السياسة مستقبلا على الجبهة الاجتماعية، هل هذه التخوفات واقعية حسبكم ؟
الجزائر مقبلة على انتخابات رئاسية في مطلع 2019، وأي رفع كبير للدعم قد يؤدي لغليان الجبهة الاجتماعية وإشعالها أكثر مما هي الآن، خاصة أن أغلب القطاعات الحساسة تعرف إضراب أو على وشك الدخول فيه، قطاعات تحوي على أعداد كبيرة من الموظفين، مما يجعلني غير متأكد من قدرة الحكومة على رفع الدعم، لكنني أتوقع أن ميزانية 2019 ستشهد إعادة هيكلة لمختلف القطاعات الحكومية والوزارية، والعمل على تهيئة الأرضية لأجل تطبيق هذا البرنامج في آفاق 2020، وهي المرحلة التي يفترض أن تكون فيه عجز الميزانية في أقل مستوياته، ومن هذا المنبر أعيد التأكيد أن السياسات الاقتصادية لا يمكن أن تكون منعزلة أو تنفذ بشكل منفصل فتطبيق سياسة دعم جديدة عليها أن تتكامل مع سياسة أجور جديدة، وسياسة استيراد جديدة، وسياسة استثمارية جديدة، الاقتصاد نسيج من المسننات المتكاملة، فقدان حلقة يفقد المحرك القدرة على الدوران.
حاوره : إسلام كعبش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super