التقى وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل نظيره الفرنسي جون إيف لودريان في باريس، بعد ساعات من إصدار الخارجية الجزائرية بيانا ” تأسفت ” من خلاله لما جاء على لسان السفير الفرنسي كزافيي ديريانكور حول قضية التأشيرات الممنوحة للجزائريين بما فيهم مسؤولين في الدّولة.
تأتي زيارة وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل إلى باريس، في ظل ” غضبة ” رسمية على تصريحات السفير الفرنسي بالجزائر كزافيي ديريانكور التي تناقلتها وسائل الإعلام الوطنية بقوة، حيث انتقد السفير بمناسبة تدشين المركز الجديد لإيداع طلبات التأشيرات بالجزائر ” تشدد الجزائر في منح التأشيرات ما قال أنه سيفرض في المستقبل تعامل بالمثل من طرف فرنسا “، إضافة إلى كشفه تواجد مسؤولين في الدولة يقدمون معلومات خاطئة عند تقديمهم ملفات طلب التأشيرة، وإشارته إلى قضية طرد الجزائريين الذين لم يدفعوا فاتورات علاجهم في المستشفيات الفرنسية.
واستعمل الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية، كلمات دبلوماسية منتقاة بشدة للرد على السفير الفرنسي، إلا أن تعليق الخارجية في حد ذاته يبرهن على وجود ” غضب ” رسمي من كلام كزافيي ديريانكور خاصة أنه يأتي في وقت تعرف فيه العلاقات الجزائرية الفرنسية ” حيوية ” ملحوظة، بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر شهر ديسمبر الفارط، ولقاءه كبار المسؤولين الجزائريين على رأسهم الرئيس بوتفليقة، ومباشرة اللجان الحكومية العليا بين البلدين للعمل، وتعبير الحكومتين عن طريق كبار المسؤولين في البلدين على تطابق في وجهات النظر في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب في المنطقة. كما أنها تأتي في سياق زيارة رسمية يقوم بها وزير الخارجية عبد القادر مساهل إلى باريس للقاء فعاليات أكاديمية، لإلقاء محاضرة أمام باحثين فرنسيين حول تجربة الجزائر في مكافحة التطرف، إضافة لاجتماع مع المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو.
وكان الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية عبد العزيز بن علي الشريف قد عبر” عن أسفه ” للتصريحات التي أدلى بها سفير فرنسا بالجزائر كزافيي درينكور حول موضوع منح التأشيرات، بمناسبة تدشين المركز الجديد لإيداع طلبات التأشيرات بالجزائر.
وأكد بن علي الشريف في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية أن السفير ” قد أبدى مجددا في تلك التصريحات التي تناقلتها الصحافة حول موضوع منح التأشيرات ميلا لإبداء ملاحظات علنية أمام الصحافة في غير محلها وغير ملائمة وغير مقبولة “. كما أشار إلى أن ” العلاقات الجزائرية الفرنسية تفرض على الجميع لا سيما أولئك الذين يتكفلون بها يوميا التحلي بواجب المسؤولية والالتزام بالموضوعية وتجنب الإدلاء بتعليقات في غير محلها و بتصريحات تتناقص مع الإرادة الأكيدة لكبار المسؤولين في كلا البلدين الذين يؤكدون دوما على ضرورة العمل من أجل الترقية المستمرة لعلاقات الصداقة و التعاون بين البلدين في جو من الهدوء و بعيدا عن أي صخب إعلامي “.
لقاء يؤكد وجود إرادة لتطوير الشراكة الاستثنائية
وفي سياق متصل، ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها عن الاجتماع الثنائي بين مساهل ولودريان أن” اللقاء بين الوزيرين تناول ملف مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله، بالإضافة إلى مناقشة الأزمات الإقليمية وخاصة في ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي “.
وأشار البيان إلى أن الوزيرين ” بحثا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر في 6 ديسمبر الماضي، وكذلك فعاليات الاجتماع الرابع للجنة الحكومية المشتركة بين البلدين بباريس “، وأكد البيان أن فرنسا والجزائر يربطهما شراكة استراتيجية استثنائية وبينهما تعاون وثيق في كافة المجالات، حيث أن فرنسا تعد أول مستثمر أجنبي في هذا البلد (خارج المحروقات)، وكذلك أول مشغل أجنبي للأيدي العاملة هناك، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 8 مليارات أورو في عام 2017.
ووفق وكالة الأنباء الجزائرية، فإن مساهل ولودريان أكدا ” من جديد إرادتهما المشتركة لتطوير هذه الشراكة الاستثنائية لصالح البلدين، لا سيما في سياق الزخم الذي أحدثته الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في 6 ديسمبر الماضي، وكذلك عقد الاجتماع الرابع للجنة الحكومية الدولية الرفيعة المستوى “. كما ناقش الوزيران التحضيرات للدورة الخامسة للجنة الاقتصادية الجزائرية الفرنسية التي ستعقد في 9 جويلية 2018 في باريس.
في نفس الإتجاه، تم النقاش حول الوضع في المنطقة، بما في ذلك الأزمات في مالي والساحل، وكذلك في ليبيا ، وتبادل تحليلاتهم حول مكافحة الإرهاب وتمويله، في الوقت الذي يعقد فيه حاليا بالجزائر العاصمة، اجتماع رفيع المستوى يجمع بين خبراء من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والشركاء الدوليين حول ذات الموضوع، في نفس الوقت تم إثارة مسألة الصحراء الغربية خلال المحادثات بين الطرفين، كما اتفق الوزيران على مواصلة الحوار بين البلدين.
خلافات مستمرة حول قضايا متعددة
في السياق ذاته، رغم أن هناك توافق بين الحكومتين على مجمل القضايا المتعلقة بالأمن ومكافحة الإرهاب في المنطقة، وعدم فرض التدخل العسكري الخارجي في حل الأزمة الليبية، وترك ملف الذاكرة للحل التدريجي تبرز على السطح خلافات مؤكدة في أجندة الدولتين خاصة فيما تعلق بالقوة العسكرية المشتركة لدول الساحل المعروفة اختصار بـ ” جي5 ” وقضية الصحراء الغربية.
ففي الوقت الذي عملت فيه فرنسا على تأسيس مجموعة القوة العسكرية المشتركة لخمس دول من الساحل وهم النيجر، مالي، بوركينافاسو، التشاد، موريتانيا، بتمويل دولي ورعاية أممية وإفريقية، حاولت بضغوط مستمرة إدخال الجزائر معهم غير أن المقاربة الجزائرية رفضت هذه الخطة انطلاقا من عقيدتها الدفاعية ودستورها الذي يمنع جيشها من القتال خارج الحدود، وفي السابق اتفقت الجزائر مع جيرانها من دول الساحل على استراتيجية محكمة عن طريق ” لجنة الأركان العملياتية ” أو ما سميت بـ ” دول الميدان ” التي تأسست في 2009 بين الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا حيث تعقد اجتماعاتها بين هذه البلدان بانتظام وتتبادل فيها الرئاسة الدورية بينها كل سداسي من كل سنة، وكذلك تجمع وزراء الخارجية في شقها السياسي إضافة إلى شقها العسكري، وكان تأسيس هذه الآلية التشاورية بهدف محاربة الإرهاب ووضع خارطة التنمية في منطقة الساحل، وبوضع مجموعة ” جي 5″ على الأرض من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تم ” القفز ” على هذه اللجنة التي تم التعويل عليها من طرف الجزائر للتأسيس لعمل دفاعي مشترك بين دول الساحل.
إضافة إلى ذلك هناك قضية الصحراء الغربية، حيث يبرز الخلاف مع الجانب الفرنسي الداعم باستمرار للأطروحة المغربية المسماة ” الحكم الذاتي ” لإقليم الصحراء الغربية، ومواصلة تقديم باريس لجرعات أوكسجين للرباط داخل الأمم المتحدة وخاصة في مجلس الأمن أين تملك حق ” الفيتو “، مبرزة عدم مبالاة بمعاناة الشعب الصحراوي الذي يناضل من أجل تقرير مصيره وفق قوانين الشرعية الدولية. هذا الأمر في الوقت الذي تلتزم فيه عواصم دولية مهمة كواشنطن ولندن بدعم مجهودات المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية السيد هوريت كوهلر من أجل استئناف المفاوضات بين الطرفين المغرب وجبهة البوليساريو، وحق تقرير مصير الشعب الصحراوي.
إسلام كعبش