لازال الجدل والتوتر قائما في قضية الحفلات الفنية التي تجوب معظم ولايات الوطن ، دون ايجاد حل لهذا الوضع أو تدخل للجهات الوصية لإيقافه أو توعية هذه الفئة التي تصنع الحدث في كل موعد لهذه الحفلات المبرمجة من طرف وزارة الثقافة عبر التراب الوطني، وهذا ما جعل عدوى حملات إلغاء الحفلات تنتشر على نطاق واسع مطالبين السلطات بإحداث التنمية المحلية بدل هدر الاموال في حفلات المجون مثلما وصفوها.
ورقلة… تشعل لهيب مقاطعة الحفلات الفنية
وعلى غير العادة شهد صيف 2018 احتدام كبير بين المواطنين والمسؤولين المنظمين للحفلات الفنية التي عهدت برمجتها المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة على غرار الديوان الوطني للثقافة والإعلام والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ولم تسر البرمجة المعتادة لهذه الحفلات على ما يرام وكانت الانطلاقة من ولاية ورقلة التي خرج فيها سكان المدينة معربين عن تذمرهم إزاء انعدام التنمية في منطقتهم، وكانت مقاطعتهم للحفل المنظم في ورقلة باحتجاج مجاميع شبابية رفعت شعارات مثل: “توفير العمل بدل صرف الأموال في المواعيد الفنية وتوفير المرافق الجوارية”، وقضى مئات المعتصمين وأغلبهم شباب كانوا يعتصمون في شكل دوري قبل أسابيع أمام المركز الثقافي الذي كان سيحتضن القافلة الفنية التي تحمل شعار “لنفرح جزائريا” و المنظمة من طرف الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، و كان تعبيرهم عن المقاطعة والاحتجاج بالصلاة أمام المركز الثقافي.
و تهدئة للوضع لجئت سلطات الولاية لإلغاء الحفل الفني الذي كان سيحييه مغني الراي المشهور “كادير الجابوني” الذي تقبل هذا القرار و اعتبر اعتصامهم شرعي ومن حقهم الاحتجاج و رفع مطلبهم للسلطات المعنية.
“… صلاة الاحتجاجات“
وما ميز حملات مقاطعة الحفلات الفنية لإحداث التنمية، هي طريقة الاحتجاج والأسلوب الجديد الذي استخدمه المتظاهرون لإيصال مطالبهم، إذ توجهت أصوات المحتجين نحو الحفلات والنشاطات الثقافية في المحافظات التي تنفق عليها أموالا طائلة من الخزانة العمومية، حسب المحتجين، و كانت الصلاة هي السلاح الوحيد لإمداد صوتهم بالصلاة جماعة أمام أماكن تنظيم هذه السهرات والحفلات، إضافة إلى رفع مطالب اجتماعية واقتصادية، وهو ما أثار جدلا كبيرا، إذ اعتبر البعض هذه الاحتجاجات رفضا للموسيقى والفن والثقافة.
الوادي. سيدي بلعباس. الجلفة. بشار ….. حراك شعبي في امتداد
وتكررت مشاهد الاحتجاجات من مدينة ورقلة لتنتقل إلى الوادي أين أشعرت فيها مجموعة ناشطة السلطات المحلية بإيقاف حفلة مماثلة، وصولا إلى ولاية سيدي بلعباس التي أقيم بها مهرجان الراي في طبعته الحادية عشر والذي قوبل بالمقاطعة هو الأخر، إلا أن هذه الأخيرة لم ينتهجها البعض وحضروا المهرجان الذي امتد طيلة أسبوع كامل بمشاركة 25 فنانا جزائريا.
وقبل أسابيع كادت محافظة بشار أن تشهد احتجاجات عارمة إلا أن ذلك لم يحدث بسبب إصدار محافظ الولاية تعليمات تستجيب فيها لمطالبهم.
شهدت ليلة الجمعة إلى السبت احتجاج سكان مدينة الجلفة الذين طالبوا بتوقيف الحفل الذي كان مقررا بدار الثقافة بالمدينة، وأقام السكان صلاة المغرب جماعة احتجاجا ورفضا للحفل الذي برمج سهرة أمس، الذي كان سيحييه الشاب ماميدوا والعديد من المغنيين لكن الحفل توقف بعد احتجاج السكان أمام دار الثقافة بالمدينة، و كان مطلبهم إقامة مطار دولي، مستشفى، جامعة، ملعب دولي بأموال هذه الحفلات.
امتداد الحراك يقلق السلطات المركزية
وشكلت جل الاحتجاجات التي أخذت منعرجا خطيرا مبعث قلق للسلطات المركزية في الجزائر، ولهذا حاولت الاستجابة لبعض المطالب وإلغاء بعض الحفلات مستجيبة بشكل مستعجل لكل حراك شعبي، خوفا من تنامي هذا الفكر الذي اعتبره البعض أنه من حق المواطنين إيصال صوتهم وإحداث التغيير باحتجاجات سلمية مقابل تخصيص أموال الحفلات التي “لا تسمن ولا تغني من جوع” واستغلالها في التنمية المحلية، في حين اعتبر آخرون هذه الاحتجاجات تخلف وبعد عن الحس الثقافي والفني وجهل ليس من حق المواطن الجزائري التفكير بهذه الطريقة.
ميهوبي يستنكر لما ينشره “المظللون” عن الثقافة في الجزائر
وعبر ميهوبي مؤخرا عبر حسابه تويتر عن أسفه الشديد عما يروج عن الثقافة في الجزائر رغم أنها تشهد قمة عطائها و ازدهارها منذ 2016 في عدة نشاطات، و هذا تبعا للتسيير الرشيد و المحكم في ترشيد النفقات و إعطاء كل ذي مجال حقه في السينما و المسرح في الأدب والشعر في الموسيقى و التراث، و هذا ما خول الوزارة أن تقتطع ميزانية 15 مليار دينار لسنة 2018، وهي ميزانية ضخمة تفوق ميزانيات ثلاثة وزارة مجتمعة، كما أنها تقترب إلى حد كبير من ميزانية وزارة السكن التي تصل ميزانيتها إلى 16.6 مليار سنتيم.
وقال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، أن ما حدث في ولايات الجنوب هو تراكم لرفع جملة من المطالب الاجتماعية مضيفا أن الجزائر هي دولة قانون ولا تدار بمواقع التواصل الاجتماعي.
” برافو أزفون …أنجبت العنقا والعنقيس ومسعودي والاخوة حلمي“
وأكد ميهوبي أن برنامج الحفلات الفنية يسير بشكل عادي ما عدى ذلك الذي ألغي في ورقلة، كما أشاد ببعض الولايات التي كانت مثالا عن النجاح الذي تشهده الحفلات الفنية على غرار أزفرن حيث غرد قائلا:”ليس تجمعا سياسيا ولكنه حضور عائلي كبير لحفل فني في أزفون.. برافو للمنطقة التي أنجبت العنقا والعنقيس ومسعودي والاخوة حلمي”.
450 حفل محلي ناجح بمشاركة 2500 فنان وموسيقي وفرقة جزائرية
وأضاف ميهوبي أن وزارته تهدف إلى تحقيق أكبر نسبة حضور للجزائريين والذواقين للموسيقى ليتجاوز عددهم مليون حاضرا في القافلة الفنية “لنفرح جزائريا” قبل نهاية أوت، هذه الأخيرة التي تبث حفلاتها عبر الانترنيت من اجل إمتاع كل الذين لم تتح لهم فرصة حضور هذه الحفلات مشاهدتها على مواقع الانترنت. كما نشر ميهوبي على صفحته الرسمية في تويتر أنه بعد مهرجاني تيمقاد وجميلة، ستتواصل الحفلات الموسيقية عبر الولايات رغم كل ما تشهده من انتقادات ومقاطعة إلا أنها نجحت خلال 4 أسابيع وجالت في أكثر من 25 ألف كلم عبر 32 ولاية، بتنظيم 450 حفل محلي و 42 حفل كبير بمشاركة 2500 فنان وموسيقي وفرقة جزائرية.
“الوزارة تتبع برنامجا هادفا لترقية الفعل الثقافي”
وقال الوزير أن السياسة التي اتبعتها وزارة الثقافة هي تنويع النشاطات الثقافية والفنية ليس بالضروري أنها إهدار للمال العام، وإنما هي دعم وتطوير للثقافة في الجزائر بما فيها المهرجانات والحفلات الموسيقية وعمليات الترميم وغيرها ما هي إلا برنامج هادف اتبعته الوزارة لترقية الفعل الثقافي.
شفيقة أوكيل