تمر سنة كاملة على تولي الوزير الأول أحمد أويحيى مقاليد الحكومة بعد الإطاحة المثيرة بسلفه من رئاسة الجهاز التنفيذي عبد المجيد تبون إثر الحرب “الباردة” التي اندلعت بينه وبين رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، وشكلت عودة أويحيى جدلا متواصلا حول شخصية الرجل وقراراته التي تحدث عادة ضجيجا لا يكاد ينتهي.. قرارات كثيرا ما وضعت مستقبله على كف عفريت.
في ظهر يوم 15 من أوت 2017، أبرقت وكالة الأنباء الجزائرية خبرا نقلا عن رئاسة الجمهورية تفيد من خلاله أن “رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، عين أحمد أويحيى وزيرا أول خلفا لعبد المجيد تبون”، ليعود أويحيى إلى قصر الدكتور سعدان بعدما شغله أربع مرات سابقة، أولاها بين جوان 1997 وديسمبر 1998 والمرة الثانية بين جوان 2002 وماي 2006 وبين جوان 2008 ونوفمبر 2008 وآخر مرة كوزير أول بين نوفمبر 2008 وسبتمبر 2012. وجاءت عودة أويحيى الأخيرة قوية برجوعه أيضا إلى الأمانة العامة لحزبه “الأرندي” وبسطه للاستقرار داخل ثاني “عكاز” سياسي للسلطة.
عودة أحمد أويحيى المعروف عنه بأنه أحد “أبناء النظام البررة” من رئاسة الجمهورية حيث كان يشغل منصب مدير الديوان إلى مقعد تسيير الجهاز التنفيذي لم تكن عودة عادية، إذ شهد صيف سنة 2017 الذي عرف رجوع سي أحمد للحكومة “حربا” كلامية حادة بين الوزير الأول المقال عبد المجيد تبون من جهة ورجال المال والأعمال يتقدمهم رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد ورئيس المركزية النقابية عبد المجيد سيدي سعيد من جهة أخرى، انتهت هذه “الهوشة” غير المسبوقة التي كادت تحدث شرخا عميقا داخل بنية السلطة بتعليمات أصدرها الرئيس بوتفليقة أعرب فيها عن انزعاجه من أداء الحكومة خاصة ما تعلق بخلافاتها مع رجال الأعمال إضافة إلى مختلف القرارات التي اتخذها تبون لم تبد إعجاب “الكارتل” المالي. كما أفادت عدة جهات مسؤولة في ذلك الوقت بأن رئيس الجمهورية قام بتصويب عمل حكومة تبون عندما كان هذا الأخير في فرنسا يلتقي بالوزير الأول الفرنسي إدوارد فيليب.
وكانت عملية إسقاط حكومة تبون الأقصر في تاريخ الجزائر المستقلة، حيث لم يمض عن تعيينه أكثر من شهرين و20 يوما، ليدخل فريقه الحكومي كتاب “غينيس” كأقصر حكومات ما بعد الاستقلال، غير أن تعيين رئيس الجمهورية للأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى فاجأ الجميع لأنه لم يكن من بين الأسماء المتداولة لخلافة عبد المجيد تبون، رغم أن اسمه يعود بصفة دورية لشغل مكتب مبنى الدكتور سعدان وهو أكثر السياسيين الجزائريين الذين تداولوا على تسيير الجهاز التنفيذي منذ التسعينات.
وفي سياق الرجوع الاضطراري لأويحيى، فإن أكبر رهانات الرئيس بوتفليقة أن يجد أحمد أويحيى التوليفة المناسبة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني، بعد وضع مقلق اتسم بتراجع مداخيل الدولة إثر تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، وانكماش قيمة الدينار في سوق التعاملات، وكان لزاما على أويحيى والطاقم الذي يعمل معه اتخاذ حزمة من الإجراءات الأليمة لمحاولة تجاوز الصدمة النفطية الكبيرة، حيث شرع أويحيى بعرض مشروع مخططه على المجلس الشعبي الوطني مباشرة بعد تعيينه ليتعرض إلى جملة انتقادات حادة من طرف نواب المعارضة الذين عبروا عن رفضهم للتوجه نحو التمويل غير التقليدي “طبع النقود”، معتبرين أنه توجه سهل من شأنه المساس بالأمن الاقتصادي للبلاد بما أن التمويل غير التقليدي يزيد من حدة التضخم.
وعرفت السنة الأولى من تواجد أحمد أويحيى على رأس الحكومة محاولة تنفيذ عدة قرارات مثيرة للجدل، أحدثت موجة من التساؤلات لدى الرأي العام، حول طريقة تعامل الوزير الأول مع ملفات حساسة.
ومن بين أهم القرارات التي باشرها أويحيى وتم إسقاطها من طرف الرئيس بوتفليقة، مشروع خصخصة الشركات العمومية وهي عملية باشرتها الحكومة بهدف فتح رأس مال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العمومية أمام الخواص، وذلك في إطار تشجيع الشراكة مع المؤسسات الخاصة، حيث تم عقد اتفاق بين الحكومة ومنتدى رؤساء المؤسسات والاتحاد العام للعمال الجزائريين، يتم بموجبه فتح الباب أمام رجال الأعمال المحليين لشراء شركات عمومية أو إبرام شراكة بين الطرفين، لكن هذا المشروع الذي أثار الكثير من اللغط أنهاه الرئيس بوتفليقة بتدخل في الوقت المناسب بموجب صلاحياته التي يكفلها له الدستور.
إضافة إلى ذلك، قام الرئيس بوتفليقة بسحب ما جاء به قانون المالية التكميلي الذي اقترحه الوزير الأول أحمد أويحيى، وهو القانون الذي أحدث صخبا حادا وسط الجزائريين بالنظر إلى الزيادات التي مست بالوثائق الإدارية البيومترية كجواز السفر وبطاقة التعريف ورخصة السياقة، حيث تم اعتبار هذه الزيادات مساسا فاضحا بالقدرة الشرائية للمواطن البسيط، ورد الوزير الأول أحمد أويحيي على هذا الجدل من خلال بيان، قال فيه إن “التسعيرات الجديدة المطبقة على الوثائق الإلكترونية تعكس سعر التكلفة”، لكن لم يلبث أن تدخل الرئيس ليضع حدا لقرار من القرارات المثيرة لأويحيى. كما أن الرئيس بوتفليقة أسقط مشروعا من أهم مشاريع الوزير الأول التي عمل على تمريرها في قانون المالية التكميلي السابق، بخصوص التنازل عن المزارع النموذجية للأجانب في إطار الشراكة مع الجزائريين، وهو القرار الذي كان قد جمده عبد المجيد تبون خلال مجلس وزاري مشترك.
وفي هذا الصدد، كانت مجمل القرارات التي اتخذها أويحيى وأعاد تصويبها رئيس الجمهورية قد أثارت مسألة إقالته من رأس الحكومة، لكن الرئيس بوتفليقة احتفظ به في التعديل الحكومي الأخير، رغم كل الأعاصير التي كانت تتبع قراراته المثيرة، وما شملتها من شائعات حول نيته الترشح لمنصب الرئاسة مع كل مناسبة رغم تأكيده في مرات عديدة عدم تحمسه لمنافسة الرئيس بوتفليقة حول المنصب، مجددا دعمه للعهدة الخامسة.. ليبقى التساؤل مطروحا حول مستقبل الوزير الأول الحالي على رأس الجهاز التنفيذي قبل 7 أشهر عن الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 ؟؟.
إسلام كعبش
منذ عودة أويحيى إلى الحكومة.. :
الوسومmain_post