• حركة النهضة التونسية ستصوت لصالح مشروع تقرير الحريات والمساواة الفردية
اعتبر نجيب البكوشي الباحث التونسي المختص في الفلسفة السياسية بأن لجنة الحريات والمساواة الفردية المعينة من طرف الرئيس الباجي قايد السبسي “ارتكبت عدة أخطاء اتصالية في طرحها لقضية المساواة في الميراث ولم تأخذ الفكرة حظّها من النقاش حتّى تصبح لها حاضنة اجتماعية واسعة”، ودافع البكوشي عن قضية المساواة في الميراث في تونس، موضحا أنها “ليست قضية مرتبطة بالعقائد بل بالمعاملات”، وأفاد البكوشي من جانب آخر، أن حركة النهضة الإسلامية رغم تحفظها على كثير من النقاط التي حملها تقرير المساواة والحريات إلا أنها “سوف تصوت لصالح المشروع” في مجلس نواب الشعب.
•كيف تقيمون الموروث الإسلامي فيما تعلق بقضية الميراث داخل الأسرة ؟
قبل الإسلام لم يكن للمرأة والصبي الحق في الميراث لأنهما مستضعفان ولا يشاركان في الحياة الاقتصادية والسياسية والمجهود العسكري للقبيلة. الفرسان الذكور وحدهم من يديرون شؤون القبيلة ويدافعون عنها ويغيرون على القبائل الأخرى لجمع الغنائم. المسلمون الأوائل لم يقبلوا بسهولة منظومة المواريث الجديدة التي نزلت مفصلة بشكل دقيق في سورة النساء، فلم يعد الميراث من نصيب الذكور فقط، بل أصبح حقا لكل أفراد الأسرة من الشيخ المسن إلى الحمل الذي لا يزال في بطن أمه.
تحدث إبن كثير في تفسيره عن تبرم المسلمين عند نزول آية المواريث حيث سألوا الرسول “يا رسول الله، تعطي الجارية نصف ما ترك أبوها وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ويعطى الصبي الميراث وليس يغني شيئا” ( تفسير ابن كثير ج 2 ص213 ).
الحديث عن الميراث في الإسلام، يراه الكثير من الأئمة والعلماء ملف مغلوق لأنه محل إجماع ولا يجوز الخروج عن النص القرآني، إلى أي مدى هذا الكلام واقعي ؟
تأويل منظومة التوريث كما وردت في النص القرآني لم تكن محل إجماع بين مختلف المذاهب والمدارس الفقهية الإسلامية، وهو ما أوضحته الباحثة العراقية شيماء الصراف في كتابها “أحكام المرأة بين الاجتهاد والتقليد”، حيث اتفق فقهاء السنة والشيعة حول أصحاب الفروض ومقدار أسهمهم وفقا للنص القرآني، ولكنهم اختلفوا حول أحقية المرأة من عدمها في الميراث حين لا تكون ذات سهم مقدّر، أي من أصحاب الفروض الذين ورد ذكرهم في القرآن والسنّة.
ففي حين ذهب فقهاء السنّة إلي تفسير كلمة “ولد” الواردة في آيات التوريث بـ ” الذكر ” فقط اعتبر فقهاء الجعفرية أن كلمة “ولد” عامّة وتشمل الذكر والأنثى، ونتج عن ذلك حرمان بعض النساء من أقارب صاحب التركة من الميراث في الفقه السني، الذي يعتبر فقهاؤه أن بنات وأبناء البنت لا يورثون لأنهم على قرابة بالمتوفى صاحب التركة عن طريق أنثى ، فهم ” أولاد بطون ” . أما أبناء وبنات الولد الذكر فيورّثون لأنّهم إمتدادا لصلب المتوفّى صاحب التركة ويسمّون “أولاد ظهور” . على سبيل المثال ، حسب فقه المواريث السنّي لو توفي رجل وترك أحفادا فقط لأنّ أولاده قد توفّوا قبله فإنّ أحفاده لإبنه الذكر فقط سوف يرثونه ولكنّ أحفاده لإبنته لا يرثون شيئا . قرابة الأنثى من صاحب التركة أضعف من قرابة الذكر ، وقديما قالت العرب “بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد”. أمّا حسب فقه التوريث الشيعي ففي المثال المذكور أعلاه يحقّ لأولاد البنت كما لأولاد الولد ذكورا وإناثا أن يرثوا من تركة جدّهم بالتساوي ولكن دائما على قاعدة ” للذكر مثل حظ الأنثيين.
الاختلاف بين فقهاء السنة والشيعة حول تحديد مفهوم كلمة “ولد” سوف يؤدي إلى اختلاف ثان أكثر جذريّة وهو القول بتوريث العُصبة الذي أقرته المذاهب السنيّة الأربعة وإعتبرته المدارس الشيعية باطلاً العصبة هي لغة: قوم الرجل ، أبوه وابنه ومَن اتصل بهما ذُكُورةً .جمع عاصب ، وهم أقرباء الرجل لأبيه الذين يتعصبون له ويساندوه عند الشدائد. واصطلاحاً : مَن يرث بغير تقدير.
تشريع المواريث في الإسلام قديما وحديثا كان محلّ تجاذب بين قراءتين مختلفتين؛ النصّيون النقليون من جهة والذين ذهبوا إلى أن النص القرآني ثابت ومتعالي وقديم وأصحاب المنزع العقلي من جهة أخرى والذين ذهبوا إلى أن النص القرآني حادث ويخضع للصيرورة التاريخية ومرتبط بمشاغل الناس وحياتهم. الفريق الأوّل يعتبر أن الأحكام قطعيّة الدلالة وقطعيّة الثبوت والفريق الثاني يعتبر أنّ الأحكام نسبيّة وتخضع لسنّة التطوّر، باعتبار أن الوجود في صيرورة ونزيف أنطولوجي مستمرّين، بدليل وجود عشرات الآيات والأحكام الشرعية المنسوخة في النص القرآني رغم أنّه قد نُزّل في مساحة زمنيّة لا تتجاوز 23 عاما . إلى جانب النسخ النصّي في القرآن الذي وقع عند نزول الوحي على الرسول كذلك يوجد النسخ التاريخي للأحكام وللآيات الذي إعتمده بعض الخلفاء الراشدون، فقام أبو بكر الصدّيق بنسخ حقّ المؤلّفة قلوبهم الوارد في الآية 60 من سورة التوبة “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” . وذلك بالإعتماد على حجّة منطقيّة وهي أنّ الإسلام لم يعد في حاجة لهم ، وكذلك نسخ الخليفة عمر بن الخطّاب حكم الآية المتعلّقة بالفيء ورفض تقسيم الأراضي المفتوحة على المسلمين لضمان حقوق الأجيال القادمة ” وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول”(الأنفال آية 41) وقام عمر بن الخطّاب كذلك في فترة حكمه بتعطيل حدّ السرقة في عام مجاعة، فكيف لا نقبل اليوم بإعادة قراءة وتأويل تشريع المواريث الّذي يعود إلى أكثر من أربعة عشر قرن خلت !؟.
عندما نزلت الآية 11 من سورة النساء القائلة “يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ * لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن” كانت النساء تورّث مثل الدواب وكانت المرأة منبوذة في ثقافة القبيلة الذكورية ولعلّ أكثر صورة معبّرة عن المكانة الدونية للمرأة في ذلك الوقت هيّ الآية الواردة في سورة النحل “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ”، فالإقرار حين ذاك بحق البنت في ميراث نصف ما يرث أخوها يعتبر ثورة كبيرة على القيم الذكورية السائدة. أما اليوم فالمرأة بخروجها للعمل قد تغيّر موقعها في عمليّة إنتاج الثروة، حيث حققت إستقلالها المادي ولم تعد عبئا على أحد، وأصبح البنات والبنين جنبا إلى جنب في مقاعد الدراسة ثم في سوق العمل وبالتالي سقط شرط أساسي من شروط قوامة الرجل على المرأة ، وهو شرط الإنفاق المادي، “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (النساء 34)، وعليه يصبح تمكين الذكر ضعف ميراث الأنثى ( في حالة الأخ والأخت ) تقسيما غير عادل ومجحفا في حقّ البنت.
ما الذي يجعل تونس مختلفة عن محيطها المغاربي وحتى في العالم الإسلامي بخصوص الوضعية القانونية للمرأة ؟
لأن التونسيين يعيشون منذ أكثر من ثمانية عقود، على وقع ما كتبه المفكر المصلح الطاهر الحدّاد في كتابه “إمرأتنا في الشريعة والمجتمع”، كانوا سبّاقين في السعي لإقرار المساواة بين المرأة والرجل وضمان حقوق التونسيات عبر سن قوانين الأحوال الشخصيّة سنة 1956 أي بعد 26 عاما من صدور كتاب الحداد سنة 1930، مسافة الوعي الفاصلة بين الكاتب / المثقّف ( الحدّاد ) والسياسي / رجل الدولة ( الحبيب بورقيبة )، اليوم مرّة أخرى يملؤون الدنيا ويشغلون الناس بطرحهم للنقاش قضيّة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل.
ألغت السلطات التونسية السنة الفارطة، الشرط الترتيبي الذي كان يحضر زواج التونسية المسلمة من رجل غير مسلم، هل هذه الخطوة مفيدة بخصوص ترقية دور المرأة في المجتمع ؟
لقد ولى زمن الزواج الأندوغامي الذي تحدده القبيلة أو العائلة، العالم أصبح قرية صغيرة والمحدد في مؤسسة الزواج الآن هو الحب، والحب لا يعترف بحدود الجغرافيا أو اللغة أو العرق أو الدين، لذلك من العبث فرض حدود معينة لتقييد المشاعر الإنسانية.
المسلمات المتزوجات بغربيين من أكثر النساء محافظة على ثقافتهن وعادتهن وعدد الرجال الذين اعتنقوا الإسلام بعد زواجهم من مسلمات أكثر من عدد النساء اللواتي اعتنقن الإسلام بعد زواجهن من رجال مسلمين، ثم أن عدم السماح للمسلمة بالزواج بغير المسلم الذي تدرس معه وتعمل معه وتعيش بجواره إلا بعد دخوله الإسلام سوف يخلق حالة من النفاق العقائدي والإجتماعي وسوف يكون اعتناقه للإسلام بروتوكوليا فقط من أجل القيام بمراسم الزواج لا أكثر ولا أقل.
كيف يمكن فرض هذه الأفكار على مجتمعاتنا المحكومة بخيوط قوية تنبعث منذ قرون من التقاليد والشرائع الدينية ؟
نحن نحتاج إلى إعادة النظر في موروثنا الديني والثقافي ليكون أكثر انفتاحا على الآخر، لذلك علينا أن ننظر لهذا التراث بعيون الطاهر الحداد وقاسم أمين ومحمّد أركون وفاطمة المرنيسي ونصر حامد أبو زيد وغيرهم من المفكرين التنويريين.
فكرة التنوير والتحديث لا يجب أن تكون بالإستقواء بجهاز الدولة والتعالي على المجتمع بل بفتح النقاش في الفضاء العام ليشارك فيه الجميع ومن حق المحافظين داخل المجتمع التعبير من وجهة نظرهم مثلهم مثل أصحاب الفكر التنويري، كل تجارب التحديث القسري فشلت، أنظر مثلا تركيا ماذا بقي من علمانية كمال أتاتورك بعد حوالي قرن تقريبا لا شيء. الشعوب وحدها يمكنها حماية القيم والأفكار النبيلة عندما تعتنقها، اليوم مثلا من المستحيل أن تقنع أغلبية التونسيات وحتى “الإسلاميات” منهن بقبول فكرة تعدد الزوجات.
قضية المساواة في الميراث التي طرحها الرئيس التونسي الباجي السبسي، فتحت جدلا حادا في البلاد، كيف قرأتم خطوة الرئاسة التونسية ؟
قضية الميراث ليست قضية مرتبطة بالعقائد بل بالمعاملات، ولكن الثقافة الذكورية في مجتمعاتنا تحاول تأويل النص القرآني ليكون خادما للعادات والتقاليد السائدة، أعطيك مثالا: قضية ختان الفتيات المنتشرة في عدة بلدان إفريقية وعربية وإسلامية (الصومال، السودان، جيبوتي، مصر، موريتانيا، أندونيسيا، اليمن والعراق) هذه العادة الفرعونية ما قبل الإسلام حافظ عليها العديد من المسلمين وجعلوا لها مبررات دينية بل يذهب بعض الفقهاء إلى الاستشهاد بأحاديث للرسول واردة في صحيحي مسلم والبخاري تُجيز ختان الفتيات لشرعنة هذه الجريمة فيصبح بذلك المقدس الديني في خدمة المقدس الثقافي والشيء نفسه ينطبق على جريمة الشرف.
كيف تقرأون موقف النهضة الضبابي من تقرير الحريات الفردية والمساواة، وهو الذي سيمرر على برلمان تستحوذ النهضة على أغلبية أعضاءه ؟
حركة النهضة يشقها صراع فكري وسياسي بين شق براغماتي يحاول المحافظة على واجهة “مدنية” للحركة وبين شق عقائدي سلفي يعتبر قضية الهوية مركزية وفي هذا الإطار جاءت مناورة قيادة حركة النهضة في مؤتمرها الأخير عندما أقرت الفصل بين السياسي والدعوي. وهذا ما ينطبق على تعاملها مع قضية المساواة في الإرث حيث أنه في حين عبر القيادي في الحركة لطفي زيتون عن موقف إيجابي من قضية المساواة في الميراث، استنكر قيادي آخر وهو محمد بن سالم المبادرة. ولا بد من القول أن كل الاحتجاجات في المدن والمساجد وقف وراءها الجناح الدعوي داخل الحركة.
من الضروري القول أيضا أن حركة النهضة ليست أغلبية في البرلمان وفي آخر تصريح لرئيسها راشد الغنوشي أفاد أن نواب حركته سوف يتفاعلون بايجابية مع المشروع تحت قبة البرلمان، وبصياغته الحالية أظن أن حركة النهضة سوف تصوت لصالح المشروع.
لماذا تحول مشروع المساواة في الميراث من قانون ملزم، إلى قانون اختياري، بين من يريد تطبيق المساواة في الإرث وبين من يلتزم بالتقسيم الشرعي، ألا يؤثر هذا الأمر على صورة الدولة ؟
للأسف اللجنة التي أعدت التقرير ارتكبت عدة أخطاء اتصالية في طرحها لقضية المساواة في الميراث ولم تأخذ الفكرة حظها من النقاش حتى تصبح لها حاضنة اجتماعية واسعة.
كيف تقيمون واقع المرأة اليوم في البلدان المغاربية ؟
صورة المرأة في البلدان المغاربية تختلف عن صورة المرأة في بلدان المشرق لأنّ للمرأة تاريخيا مكانة هامة في الثقافة الأمازيغية عكس الثقافة العربية الصحراوية، إذن الحيف الذي تعاني منه المرأة سببه الأساسي ثقافي مرتبطا بالعادات والتقاليد وليس دينيا نابعا من روح العقائد.
حاوره: إسلام كعبش
الوسومmain_post