لم تكن فترة الصيف فترة راحة للساحة السياسية الجزائرية فقد عاشت حركية غير معهودة منذ سنوات حيث خرج إلى الرأي العام نقاش سياسي احتوته ثلاث مبادرات على الأقل وهي مبادرة مواطنة التي أطلقتها مجموعة من الأحزاب والناشطين السياسيين والحقوقيين ومبادرة التوافق الوطني التي أطلقتها حركة حمس إلى جانب مبادرة الجبهة الشعبية الصلبة التي تبناها الأفلان ومعه مجموعة من أحزاب الموالاة باستثناء الأرندي وإذا أضيفت إليها المبادرة القديمة الجديدة، مبادرة الإجماع الوطني للأفافاس التي لا تندرج في سياق الاستحقاقات الانتخابية فسيصبح عدد المبادرات أربعا.
غير أنه إذا ما استعرنا الأدوات الخطابية الاقتصادية فإنه يمكن أن نتحدث عن تضخم بالنظر إلى أن هذا العدد من المبادرات على كثرته وتعدد الأطياف التي تنشطها لم يتمكن إلى حد اليوم من تحريك الساحة وفقا لحجمها والأفكار التي احتوتها. وإذا ما نظرنا إلى ردود أفعال المجتمع معها نشعر وكأن هذا المجتمع في انتظار شيء آخر ولسان حاله يقول إن القوى الفاعلة حقيقة لا تزال راكدة أو في ترقب أو أن الأمر لا يعنيها مستسلمة لقاعدة ذهبية أصبحت مألوفة اليوم وهي أن الانتخابات الرئاسية ليست شأنا سياسيا أو لنقل لا شأن للأحزاب بها.
صحيح أن التجربة الجزائرية أثبتت أن الأحزاب السياسية ليست المنبع الأساسي الذي يصنع منه الرؤساء بل وأن الحياة السياسية بينت أنها ليست بالنضج الكافي والاستقلالية الضرورية لقيادة حركية سياسية تنتج لنا رئيسا للجمهورية يحمل برنامجا سياسيا توافقيا يكون نتيجة حوار وطني جدي حول القضايا الكبرى المطروحة على المجتمع.
وصحيح أيضا أن الفكرة المسيطرة على ذهن السياسي الجزائري قبل المواطن البسيط أن العسكر هم أصحاب الحل والعقد في بداية المطاف ونهايته بالرغم من تأكيد قادة المؤسسة العسكرية للمرة الألف أنهم أبعد ما يكونون عن التدخل في الحياة السياسية.
وصحيح كذلك أن قطاعا كبيرا من المجتمع بالرغم مما يتسم به من وعي سياسي إلا أن الطبقة السياسية التي تحتوي الآن أكثر من 60 حزبا لا تستطيع أن تستوعب أكثر من 10 بالمائة من المجتمع في أطروحاتها لعدة أسباب منها أن خطابها لم يعد يتلاءم مع التطلعات الجديدة وأن نخبها ضعيفة وأن مصداقيتها تكاد تكون منعدمة بالنظر إلى أن أغلبها خرجت من رحم الحكومات السابقة التي حكم عليها قطاع كبير من المجتمع بأنها فاشلة وأنها تتحمل جزءا من المسؤولية عما يعانيه المجتمع اليوم. يضاف إلى ذلك أن عددا كبيرا من الأحزاب المعتمدة لا تملك إلا قيادات متشرذمة وختما إداريا ولم يعد الرأي العام يجد لها أثرا بينما أحزاب أخرى لم تمكنها وزارة الداخلية من إمكانية دخول الحياة السياسية من الباب القانوني الواسع برفض اعتمادها.
في أرضية هذا وصفها لا يمكن أن تلعب المبادرات المنطلقة في فترة الصيف دور المؤثر في مجرى الأمور بالنسبة للموعد الرئاسي القادم ويبدو أن الدور الذي يتم تصوره لهذه المبادرات بما فيها مبادرات المعارضة إنما هو دور الديكور في عرس أفريل القادم. والأحزاب تدرك تماما هذا الدور لاسيما أحزاب الموالاة وما جاورها من أحزاب لا تزال تبحث لنفسها عن مكان تحت الشمس. بينما انقسمت أحزاب المعارضة بين المقاوم و”المشاطع” في تركيبة تحتوي خطابا مزدوجا بين المشاركة والمقاطعة.
والسؤال الذي سيطرح نفسه في الأسابيع القادمة هو: هل السلطة المنظمة للاستحقاق الرئاسي ستكتفي منشطا للموعد بالأطراف السياسية القائمة حاليا والتي ورثها الجزائريون عن فترة صيف حارة بالتغييرات الهامة في صفوف قيادات الجيش أم أن فصل الخريف التي بدأ منذ أيام فقط يخفي في طياته معطيات قد تغير مجرى الأحداث. ليس من السهل الرد على هذا التساؤل غير أن ثمة شعورا قائما الوعي الجماعي للطبقة السياسية أن ثمة نقاط ظلت لم يتم بعد إجلاؤها وأن الأسابيع المقبلة حبلى بالأحداث الكفيلة بتغيير براديغمات النظر إلى الاستحقاق القادم.
احسن خلاص
الرئيسية / الوطني / المبادرات السياسية للأحزاب بقيت حبيسة الصالونات:
الانتخابات الرئاسية تنتظر المنعرج الأخير
الانتخابات الرئاسية تنتظر المنعرج الأخير
المبادرات السياسية للأحزاب بقيت حبيسة الصالونات:
الوسومmain_post