تعرف الأزمة الليبية منعرجا جديدا في تاريخها، فبعد محاولات الجزائر إيجاد حل سياسي يجمع الفرقاء بعيدا عن أي تدخل عسكري أو خارجي ، و بعد جولة من المفاوضات و المبادرات قادتها العديد من الدول وعلى رأسها الجزائر، المغرب و فرنسا، هذه الأخيرة التي أطلقت مبادرة شهر ماي الماضي بباريس، دعت فيها إلى تنظيم انتخابات رئاسية و تشريعية قبل نهاية 2018، إلا ان تجدد “مواجهات عنيفة” بمدينة طرابلس و التي تشكل “انزلاقا خطيرا” يبعد آفاق التوصل إلى حل للأزمة الليبية، دفع فرنسا إلى التحرك من جديد، و دعت الأسرة الدولية إلى ممارسة ضغوط قصوى وفرض عقوبات على الذين ينشرون الفوضى في ليبيا ويمنعون هذا البلد من التقدم باتجاه انتخابات.
عقد أول أمس، اجتماع رفيع المستوى حول الوضع في ليبيا على هامش الدورة ال73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بنيويورك، وبدعوة من الوزير الفرنسي المكلف بأوربا والشؤون الخارجية، جون إيف لودريان، اين حضر الاجتماع كل وزراء خارجية وممثلي دول جوار ليبيا، و هي الجزائر وتونس ومصر والنيجر وممثلين عن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة إضافة إلى الممثلة السامية للاتحاد الأوربي المكلفة بالسياسة الخارجية والأمن، فيديريكا موغريني، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، و وممثلين عن إيطاليا، في حين سجل كلا من رئيس المجلس الرئاسي لليبيا، فايز السراج، والممثل الخاص للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، غسان سلامة، تدخلهما من خلال محاضرة عن طريق الفيديو.
و قد دعت فرنسا على لسان وزير خارجيتها جان ايف لودريان الأسرة الدولية إلى ممارسة ضغوط قصوى وفرض عقوبات على الذين ينشرون الفوضى في ليبيا ويمنعون هذا البلد من التقدم باتجاه انتخابات، حيث قال الوزير الفرنسي أمام وسائل الإعلام انه “يجب أن نبدي مزيدا من الحزم حيال الذين يرغبون في فرض الأمر الواقع لمصلحتهم وحدهم”، و أضاف أن “العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي في الآونة الأخيرة ضد عدد من المهربين يجب أن تليها عقوبات أخرى، وأعتقد بشكل خاص ضد الجماعات المسلحة التي تهدد طرابلس”.
وقالت باريس إن كل المشاركين عبروا عن “وحدة الأسرة الدولية” في مواجهة الجماعات المسلحة التي تحاول اللعب على “انقسامات واقعية أو مفترضة” بين الأطراف الإقليميين والأوروبيين لمنع تقدم العملية الانتخابية.
و يبدو ان فرنسا تخشى على المبادرة التي أطلقها رئيسها امنويل ماركون شهر ماي الماضي و التي قال أنها تهدف إلى توفير الظروف للخروج من الأزمة” في ليبيا وذلك من خلال “إشعار الفاعلين الوطنيين والدوليين كافة بمسؤولياتهم”، و التي تم خلالها تحديد مواعيد لإجراء انتخابات رئاسية و تشريعية قبل نهاية السنة الجارية، و هو الذي يبدوا لا يمكن أن يتحقق في ظل الوضع الأمني المتأزم و المواجهات العنيفة التي تشهدها مدينة طرابلس و مناطق أخرى من البلاد، و التي لا تبشر بقرب انفراج في هذه الأزمة، و قد تقضي على مبادرة فرنسا و على الجهود التي سبقتها، خصوصا مع معارضة ايطاليا لوجهة النظر الفرنسية، فايطاليا ذات العلاقة القديمة مع ليبيا تأخذ على فرنسا سعيها إلى التحرك وحدها لتسوية هذا النزاع، كما أدانت-أي ايطاليا- “التدخلات الأجنبية” في ليبيا وعبرت عن “عدم موافقتها” على إجراء انتخابات في العاشر من ديسمبر، معتبرة أن الشروط الأمنية لم تتحقق بعد.
وتعارض واشنطن أيضا هذا “التسرع الانتخابي”، وكان مساعد سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة جوناثان كوهين صرح مؤخرا أن “فرض مهل سيئة سينقلب” على الليبيين. وتوقع “تفاقما في الانقسامات في ليبيا”.
مساهل يدعو كافة الفاعلين الليبيين إلى وقف الاقتتال
من جانبه، جدد وزير الخارجية عبد القادر مساهل دعوة الجزائر لكافة الفاعلين الليبيين من أجل “وقف للاقتتال وكل عمل من شأنه عرقلة الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي في إطار المسار الأممي بعيدا عن أي تدخل أجنبي يرتكز على لغة الحوار والمصالحة الوطنية” مضيفا أن هذه المقاربة هي الكفيلة بتعجيل التوصل إلى تسوية للأزمة الليبية والحفاظ على سيادة و وحدة الشعب الليبي وسلامة أراضيه”.
كما أكد مساهل على أهمية وضع أجندة موحدة لليبيا مع ضرورة وضع حد للتدخلات الأجنبية التي لا تزال تشكل “عائقا كبيرا” أمام تجسيد مسار السلام في ليبيا.
وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي تدعو إلى الإسراع في إجراء الانتخابات
من جهتها، صرحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في أعقاب اجتماع وزاري ثان حول ليبيا أول أمس أن “المسألة لا تتعلق إلى هذا الحد بالموعد، ومن الأفضل أن تجري الانتخابات في أسرع وقت ممكن”، لكن يجب أن يتوفر عدد من الشروط قبل ذلك في “إطار دستوري واضح”.
هذا وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في ديسمبر الماضي عقوبات مالية على زعيم إحدى المجموعات المسلحة التي هاجمت في جوان 2017مواقع نفطية أساسية في شرق ليبيا.
وبالطريقة نفسها، ترى باريس أنه يجب فرض تجميد موجودات في الخارج وحظر سفر على قادة المجموعات المسلحة الذين يعرقلون العملية السياسية لحماية سيطرتهم على بعض موارد البلاد.
رزيقة.خ