لا يبدو أن الأزمة المتفاقمة داخل أروقة المجلس الشعبي الوطني ستنتهي قريبا إثر الشد والجذب المتواصل بين رئيس البرلمان السعيد بوحجة والكتل البرلمانية التابعة لأحزاب الموالاة وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني، هذا الصراع وإن تواصل بهذه الطريقة ينذر بإسقاط الدولة في شلل مؤسساتي “خانق” أول بوادره ظهرت مع إرسال وزارة الخارجية مراسلة إلى السفارات المعتمدة تؤكد تأجيل كل اللقاءات التي كانت مبرمجة في وقت سابق مع لجان الصداقة البرلمانية إثر الأزمة الحاصلة في المجلس الشعبي الوطني.
يرى العديد من المتابعين للشأن السياسي أنه في حال استمرت القبضة الحديدية بين نواب أحزاب الأغلبية المطالبين برحيل رئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة، فإن الأزمة ستتجه نحو مزيد من التعقيد، وللأمر ذاته تداعيات مختلفة قد تصل إلى حد عرقلة أشغال عمل الغرفة السفلى للبرلمان، كما تهدد بذلك كتل الموالاة وتجميد الدورة البرلمانية قبل ستة أشهر عن الانتخابات الرئاسية في حال تمسك سعيد بوحجة بالبقاء في منصبه، وعدم توجهه نحو رمي “المنشفة” أمام خصومه، وبالتالي فإن “تجميد” العمل في الغرفة السفلى للبرلمان ستكون له تداعيات على نشاط الغرفة العليا وهي مجلس الأمة التي يترأسها الرجل الثاني في الدولة دستوريا عبد القادر بن صالح.. فلماذا يتشبث السعيد بوحجة بمنصبه إذا كان بقاؤه سيحدث شللا داخل الهيئة التشريعية؟، ثم لماذا يربط بوحجة مصيره بجهة قال إنها المسؤولة على إقالته بما أنها هي من عينته مع كل هذه الضغوط التي يتعرض إليها مع أن هذا الأخير يتم انتخابه قانونيا داخل القبة التشريعية ولا يعين من خارجها؟
وتعتقد مليكة بن دودة الأستاذة المختصة في الفلسفة السياسية أن هذه “المعركة” المحتدمة داخل قبة زيغود يوسف ليست إلا مؤشر “لنية التخلص من رئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة”، معتبرة في اتصال “الجزائر” موقف نواب الأغلبية من السعيد بوحجة “غير قانوني” بما أن انسحاب رئيس المجلس لن يكون دستوريا إلا في حالات الوفاة أو العجز أو التنافي، وفي الأخير قدرت مليكة بن دودة أن هذه الخلافات التي تظهر بين مختلف الأطراف السياسية عبارة على “صراع مصالح شخصية”.
وفي السياق ذاته، تشير عدة أطراف أن الضغوط في حال عدم استقالة السعيد بوحجة سترمى على كاهل حزب جبهة التحرير الوطني الذي يتعرض لجملة من الانتقادات التي تحمله بصفة كبيرة مسؤولية الأزمة التي يعيشها مبنى زيغود يوسف، بسبب عدم تقديره لنتائج ما أقدم عليه من فعل في حق أحد مناضليه القدامى وهو بوحجة السعيد، والتي قد تصل إلى حل البرلمان كمخرج للأزمة الدستورية الراهنة كما نادى بذلك حزب الكرامة والأمين العام للحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس، ومن بين الأصوات التي ارتفعت مؤخرا، موافقة هذه القراءة رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق عبد العزيز زياري الذي حمّل في حوار مع موقع “كل شيء عن الجزائر” مسؤولية ما يحدث في المجلس الشعبي الوطني، لحزب جبهة التحرير الوطني لأنه أخطأ، حيث يتعين عليه التحكم في مناضليه وقيادييه فكل المشاكل تُحل بالنقاش والاستشارة داخل مؤسسات الحزب وليس بطرق فوضوية، معتبرا أن القضية مرتبطة “بشأن حزبي داخلي ولا يتوجب أن تؤثر على المؤسسة التشريعية التي تعتبر ثاني أكبر مؤسسة بعد رئاسة الجمهورية، أنا شخصيا لا أرجح فرضية وقوع انسداد لأنها قضية غير مطروحة، وتصريح ولد عباس يعبر عن فشل قيادة حزب جبهة التحرير الوطني”.
ومن جهتها، أكدت فتيحة بن عبو المختصة في القانون الدستوري أن الصراع بين السعيد وبوحجة وحزبه وباقي كتل أحزاب الحكومة داخل المجلس الشعبي الوطني “تهريج سياسي” ودليل على “أزمة غير طبيعية”.
ونفت فتيحة بن عبو في تصريح لـ “الجزائر” أن تكون الدولة في وضعية خطيرة أو استثنائية تحتم عليها حل البرلمان، مثلما تهدد بذلك أحزاب الموالاة للضغط على رئيس المجلس السعيد بوحجة لرمي المنشفة، مشيرة في الأخير أننا أمام أزمة “لا تملك أي رهان سياسي” كما تختفي وراءها “مصالح شخصية ضيقة”.
وكان رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري قد حذر في منشور له على صفحته في “الفايسبوك” من ارتدادات هذه الأزمة الحاصلة بين الموالاة الحاكمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني، وقال مقري أن “رئيس مجلس من الموالاة تسحب منه الثقة من نواب الموالاة وكأنه رئيس بلدية من حزب معارض، والسبب المباشر المعلن المتمثل في إقالة أمينه العام بسيط لا وزن له بالنظر للأزمة التي أحدثها وصورة المؤسسات التي خدشت: إنها أمارة من أمارات تحلل الدولة… ولكن ماذا بقي من الدولة الجزائرية غير هذا؟”.. ليبقى التساؤل مطروحا حول كيفية نهاية معركة “كسر العظام” التي يحتضنها مبنى البرلمان في شارع زيغود يوسف باستقالة السعيد بوحجة أم بتجميد نشاط الكتل البرلمانية وحل البرلمان؟ أم بحل المشكلة بطريقة توافقية رغم أننا نعيش اللحظات الأخيرة قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية سنة 2019 ؟
إسلام كعبش
وسط غموض يلف المشهد السياسي:
الوسومmain_post