مازالت قضية حي القصبة العتيق، تصنع الجدل في كل مرة، ولعل عملية ترميم هذا الحي العريق، من أبرز التحديات والهواجس التي توجهها كل من ولاية الجزائر ووزارة الثقافة التي تتحمل جزءا من التسيب الذي طالها خاصة في عهد وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، التي ورغم الميزانية الكبيرة التي وفرتها الدولة آنذاك لعملية الترميم، إلا أن هذا لم يجسد على أرض الواقع، وهو ما أدخل القصبة والتي تعدّ من مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1992، في دوامة الضياع.
واحتفلت القصبة هذا الصرح التاريخي، والذي يدخل ضمن التراث المادي الوطني، أمس بيومها الوطني، ولليوم مازالت رمزا تاريخيا عظيما يروي تاريخ وحضارة بني مزغنة، باعتبارها تشكل مرجعا للماضي ونافذة على المستقبل، وهاهي اليوم أيضا تصارع من أجل البقاء، فاتحة المجال أمام المسؤولين بضرورة النظر فيها بأكثر جدية وصرامة لإعادتها لواجهة الحياة الثقافية والتاريخية.
فيصل وارث: “نعم… الجزائر تملك الكفاءات اللازمة لترميم القصبة، وهذا مايعرقلنا”
أرجع المدير العام لديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية فيصل وارث، أن تعطل ترميم القصبة، يعود إلى أن ملكية 80بالمائة من البنايات القديمة في القصبة إلى الخواص وهو ما يعرقل استكمال أعمال الترميم وكل الإجراءات المتخذة من اجل التكفل بهذا الموروث المادي.
وأكد ذات المتحدث، أن الجزائر تتوفر على كفاءات ومهندسين قادرين على ترميم قصبة الجزائر وإعادتها إلى شكلها القديم من دون الاستعانة بالخبرات الدولية، مشيرا إلى أن الكثافة السكانية العالية من بين ابرز عراقيل تطبيق برنامج الترميم، مبرزا أن “هناك مهندسون معماريون شباب وتقنيون من عدة اختصاصات وحتى يد عاملة محترفة تعكف على اعادة القصبة على ما كانت عليه بالضبط وهم يقومون بعملهم بشكل جيد”.
وأضاف بأن “النسيج العمراني للقصبة متفاوت، فهناك بنايات تعود إلى المدينة الأصلية أي قبل 1830، وهناك ما تم اضافته بعد ذلك وما تم تعديله وأعيد تفصيله من طرف الإيرانيين ونحن نحاول أن نضع كل هذا في الحسبان لنتدخل في الوقت المناسب بحسب ما تستدعيه وضعية كل ممتلكة”.
ولم يُعب المدير الحالي لديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية أشغال الترميم السابقة التي شملت القصبة ، مستبعدا أن تكون قد تمت بشكل غير مهني مؤكدا بأن “هناك العديد من القصور والمنشات الهامة والمميزة على مستوى النسيج العمراني للقصبة حظيت بالترميم في السنوات العشرين السابقة، وأصبحت اليوم فعالة ومحمية في نفس الوقت وكل هذا يؤكد أن عملا جادا قد تم غير أننا لا يجب أن نستبعد العوامل الأخرى التي أثرت في عملية الترميم والحماية لا سيما فيما يتعلق بالكثافة السكانية للمدينة وكذا شعبيتها الكبيرة ومشكل المياه الذي تسببت أعمال إدخاله إلى الدويرات خسائر معتبرة في هذه البنايات القديمة والهشة” .
وحسب فيصل وارث، فقد استفادت 710 دويرة من أعمال تقوية ودعم وهو ما اوقف سلسلة الانهيارات التي كانت تتعرض لها بنايات القصبة القديمة سابقا والتي تعدت 300 بناية ، مضيفا بأنه “منذ جويلية 2016 تم وضع مخطط شامل لترميم وحماية لجهة معتبرة من المدينة والأمر لا يتعلق بالدويرات بل ستشمل الأشغال العديد من المساجد والحمامات التي ستدعم داخل القصبة “.
من جهته، كان قد طمأن المهندس الفرنسي، جون نوفال، المكلف من قبل مصالح ولاية الجزائر العاصمة الجزائريين والعاصميين على وجه التحديد، بإعادة الاعتبار لحي القصبة، من خلال مخطط مدروس يهدف لإنعاش وإعادة الحيوية له، مشيرا أن تقرير فريق عمله سيسلم للجهات المعنية، الصيف القادم، مؤكدا أن اقتراحاته ستؤخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي لهذا الموقع الذي يعد جزءا من الذاكرة الجماعية للجزائريين، ويكون بذلك قد رد -بدقة- على هؤلاء الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها بمجرد تعيينه لتجسيد هذا المشروع، طالبين منه رفض المهمة بداعي أنه من غير المنطقي أن يشرف عليه أحد الذين أنجبتهم فرنسا الاستعمارية خصوصا أن الأمر يتعلق بمهد معركة الجزائر.
صبرينة ك