أثار التحرك العسكري المكثف لقوات اللواء المتقاعد الليبي خليفة حفتر نحو العاصمة الليبية طرابلس منذ يومين وقيامه بمعارك للسيطرة عليها، مخاوف حول مصير هذا البلد بعد أن كادت كل الأطراف أن تصل إلى حل سياسيي وأن تعقد اتفقا يقضي بتطبيق المصالحة الوطنية، كما أثار الوضع قلقاً لدى قوى دولية كبرى ودول الجوار الليبي وعلى رأسها الجزائر التي عبرت عن “بالغ انشغالها” لما يحدث، ودعت كل الأطراف إلى “التعقل”، غير أن هناك الكثير من التساؤلات عن سبب اختار خفتر هذا التوقيت بالذات لإطلاق عمليته العسكرية والتوجه غرب ليبيا، بالتزامن مع الحراك الشعبي السلمي في الجزائر.
تواصلت أمس الاشتباكات الحاصلة بين جيش اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر و القوات المسلحة الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني قرب العاصمة طرابلس ، و التي يسعى خفتر للسيطرة عليها، غير أن حكومة الوفاق أكدت على لسان وزير داخليتها أن قوات حكومته لن تقف مكتوفة الأيدي حتى تدفع بالجيش الليبي التابع لحفتر للخروج من حدود العاصمة.
و تأتي تحركات حفتر العسكرية ومحاولاته للسيطرة على مقر حكومة الوفاق الوطني قبيل أقل من عشرة أيام من انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الجامع بمدينة غدامس جنوب غرب البلاد، تحت رعاية أممية، مما أثار استنكارا محليا ودوليا واسعا.
وقد أعربت العديد من الدول الغربية على غرار فرنسا، روسيا، ايطاليا، ألمانيا عن قلقهم لتطور الأوضاع في ليبيا، وقد أعلن أمس وزير خارجية ألمانيا أن الدول الصناعية السبع الكبرى اتفقت على ضرورة الضغط على المسؤولين عن التصعيد العسكري بليبيا وخاصة حفتر، كما أعلنت دول الجوار الليبي عن قلقلها للوضع في هذا البلد، و في مقدمتها الجزائر حيث أصدرت وزارة الخارجية بيانا تؤكد فيه أن الجزائر تتابع “ببالغ الانشغال” آخر التطورات الحاصلة في ليبيا و تدعو كافة الأطراف إلى “التعقل”، معتبرا أن أي “تصعيد عسكري قد يعيق الجهود الجارية”.
وقد تساءل الكثيرون عن التوقيت الذي اختاره المشير خليفة حفتر للقيام بعملياته العسكرية و التوجه غربا، وهو التوقيت الذي تعيشه فيه الجزائر حراكا شعبيا، وتونس تحضيرات لانتخابات رئاسية و تشريعية، و قد ربط البعض بين هذا وذاك، واعتبروا أن هجمة حفتر على طرابلس لا تستهدف فقط السلطة الشرعية المعترف بها دوليا –حكومة الوفاق الوطني- إنما خلق البلبلة و الإرباك في دول الجوار خصوصا الجزائر و التشويش على حراكها السلمي، حيث عبر الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي عبر تدوينها له نشرها أمس على صفحته الرسمية على الفايس بوك عن رفضه لتحركات خفتر، و قال أن “هجمة حفتر على طرابلس لا تستهدف فقط السلطة الشرعية المعترف بها دوليا وعبرها ثورة 17 فبراير المجيدة، بل هي تستهدف الحراك في الجزائر بغية إرباكه بحالة حرب على الحدود يمكن استغلالها لصالح قوى الثورة المضادة المحشورة اليوم في الزاوية ، وهي تستهدف الأمن القومي في تونس ومحاولة زعزعته تحسبا لانتخابات في غير صالح المنظومة التي جاءت بها الثورة المضادة للسلطة” .
غير أن هذه القراءة يختلف عليها خبراء سياسيون و أمنيون، وفي هذا الصدد قال الخبير السياسي و الأمني لزهر ماروك في تصريح ل”الجزائر”، أن هذه ربط تحركات خفتر بهدف ضرب الحراك في الجزائر، مستبعدة، لان حفتر موجود على الساحة الليبية منذ مدة طويلة و يسعى للوصول إلى السلطة وأن يكون رئيس ليبيا في الأيام القادمة، و أضاف ماروك أن خفتر له حلفاءه من الدول الغربية و الإقليمية التي تدعمه ماليا وعسكريا، و طموحه باحتلال العاصمة طرابلس والسيطرة عليها هي مرحلة من مراحل الصراع في ليبيا مند سقوط معمر القذافي، و استبعد الخبير أن يكون هذا التحرك مخصص لضرب الحراك في الجزائر.
وعن توقيت اختيار المشير خليفة حفتر لهذا التوقيت بالذات لبدا عملياته العسكرية، قيل أقل من عشرة أيام من انعقاد اجتماع “غدامس”، قال ماروك أن حفتر لا ينظر إلى الاجتماع على أنه مكسب، لأنه يرى أنه لن يحقق له مكاسب كبيرة و بالتالي فضل استخدام القوة، و أضاف أن حفتر يحظى بدعم الدول الإقلمية التي تخاف من انتشار التيار الإسلامي السياسي في ليبيا .
أما الدكتور حسني عبيدي، الأستاذ بجامعة السوربون الفرنسية ومدير مركز أبحاث ودراسات العالم العربي ودول المتوسط “سيرمام” (CERMAM) فقال في تصريح صحفي لوكالة ألمانية، أمس، أن التحرك العسكري لحفتر من مدينة بنغازي نحو مدينة طرابلس هو “بداية لتحرك” يُعيد للأذهان زحف القذافي قديما من طرابلس نحو بنغازي، مع اختلاف أساسي وهو “تناقض وضبابية الموقف الأوروبي الحالي”.
ويوضح عبيدي أن “الوصول إلى طرابلس والسيطرة على جنوب وغرب ليبيا يتطلب المرور على مدينة الوسلة معقل قبيلة بني وليد، أكبر قبائل ليبيا، والتي رفض أعيانها وأفرادها رفضا قاطعا أن تمر قوات حفتر عبر مناطقهم”. ويضيف عبيدي: “في حالة مقاومة الأهالي في ليبيا لهذا الزحف العسكري يمكن أن يغير المجتمع الدولي والغرب موقفهما بين عشية وضحاها، فيقرر حفتر حينئذ وقف العملية العسكرية والاكتفاء بما حققه من مكاسب ميدانية يمكنه استغلالها تفاوضياً”، و أضاف : “حفتر لا يؤمن بالعملية السياسية وهو يعلم جيدا أن هناك محاولة من الأمم المتحدة بعقد مؤتمر بحثا عن مخرج من الأزمة الليبية، لكن إن لم تكن هناك مقاومة عسكرية على الأرض ورفض دولي حقيقي لتحركه، فإن زحفه العسكري سيستمر”.
غسان سلامة: “عازم على عقد المؤتمر الوطني في موعده رغم القتال الجاري في البلاد”
من جانبه قال غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا أمس إنه عازم على عقد المؤتمر الوطني في موعده رغم القتال الجاري في البلاد، و أكد أن الأمم المتحدة تعمل على منع تصعيد الأزمة في هذا البلد.
من جنبها اتفقت الدول الصناعية السبع الكبرى، أمس، على ممارسة الضغوط على خليفة حفتر والمسؤولين عن التصعيد العسكري في ليبيا، وأكد وزير الخارجية الألماني “هيكو ماس”، تأييد جميع وزراء خارجية الدول السبع لممارسة ضغوط على المسببين للصراع العنيف، خاصة حفتر، وفق وكالة “سبوتنك” الروسية. وقال ماس، “إننا سنستخدم كل الاحتمالات المتاحة لنا لممارسة الضغوط على المسؤولين في ليبيا”، مضيفا أن إيطاليا وفرنسا لها اتصالات مباشرة مع ليبيا، وأن الوضع يثير القلق بشدة، و”لا يمكننا قبول أي تصعيد عسكري آخر”.
يشار إلى أن مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع دعت، الجمعة، قوات حفتر إلى التراجع عن مهاجمة طرابلس، وطالبت بوقف فوري لجميع الأنشطة العسكرية هناك.
وتعتزم الأمم المتحدة عقد مؤتمر في مدينة غدامس بجنوب غرب ليبيا من 14 إلى 16 أفريل نيسان لبحث الانتخابات باعتبارها سبيلا للخروج من الصراع الدائر بالبلاد منذ ثمانية أعوام.
رزيقة