تشيد باريس بقدرة الجزائريين على الانتقال بهدوء وسلاسة إلى جو ديمقراطي لكنها في السر تخشى من انقلاب الموازين إلى الأسوأ منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وذكرت الكاتبة إيزابيل لاسير في تقرير لها نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أنه من المرجح أن هذه البساطة التي تطغى على العلاقات، والتي تتسم بشيء من النفاق، تخفي قلقا تجاه الملف الجزائري الذي يعتبره قصر الإليزيه أولوية قصوى.
ونقلت الكاتبة عن دبلوماسي فرنسي قوله: “تحرص السلطات على مراقبة الأوضاع “المتوترة” في الجزائر “كل ساعتين خشية أن يتفاقم الوضع أكثر”.
وأشارت إلى أن الجزائر تتصدر لائحة اهتمامات السلطات الفرنسية وأجهزة المخابرات والقوات المسلحة على مدى سنوات عديدة.
وأوضحت الكاتبة أنه منذ بداية الأزمة تبنّت فرنسا سياسة حذرة للغاية تجاه الملف الجزائري، وبفعل التاريخ المتميز للعلاقة الثنائية بين البلدين، على غرار الإرث الاستعماري، تراقب باريس الوضع عن كثب لكن دون تدخل إلى حين أن تتضح الرؤيا.
وحين تخلّى الرئيس لوتفليقة عن ترشحه لعهدة خامسة، أشاد وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان بهذا القرار، وقال إنه “واثق من قدرة جميع الجزائريين على مواصلة هذا التحوّل الديمقراطي بهدوء ومسؤولية “.
وتمتلك فرنسا مصالح اقتصادية وإستراتيجية مع الإدارة الجزائرية السابقة، علاوة على أن الجزائر تعتبر حليفا أساسيا في الحرب ضد الإرهاب.
بحسب الكاتبة، تدرك الدبلوماسية الفرنسية جيدا أن العديد من التحديات قد ترافق عملية الانتقال السياسي الذي بدأ باستقالة بوتفليقة، وتعتبر طريق العودة نحو الديمقراطية التي يحلم بها الجزائريون محفوفة بالمخاطر والمجهول ، خاصة ما يتعلّق برد فعل الجيش تجاه الزعماء السياسيين الجدد والمتظاهرين الذين يطالبون بنهاية النظام بأكمله وليس سقوط الرئيس فحسب.
ونقلت “لونوفيل أوبسرفاتور” عن مسؤول فرنسي كبير تأكيده أن اضطراب الأوضاع بالجزائر هو الكابوس الحقيقي الذي يقض مضجع ماكرون.
وسبق لوسائل الإعلام الفرنسية أن أكدت أن ماكرون استدعى السفير بالجزائر كزافي درينكورت لمناقشة ما يحدث هناك لأن التخوف كبير من أن تطور الأحداث بشكل سلبي سيؤثر بشكل مباشر على باريس.
وأوضح محللون فرنسيون أن الجزائر خط دفاع مهم ضد التنظيمات المسلحة النشطة بالصحراء الكبرى، وهي التي لها حدود مع كل من مالي والنيجر.
ومن شأن التعاون الأمني المهم بين فرنسا والجزائر ودول المنطقة أن يتأثر سلبا بدخول البلاد في دوامة الاضطراب.
تصفية المصالح
تدرك دوائر الحكم الفرنسية مطالب الحراك في الجزائر، وتدري أن غضبا شعبيا عاصفا بكل وجوه السلطة كان أحد أسبابه سيطرة اللوبي الفرنسي على خيرات البلاد.
ورفع المحتجون منذ الجمعة الأولى لافتات مناهضة للوجود الفرنسي بالجزائر .
وتخشى باريس في مقابل ذلك ضياع حصتها الاقتصادية بالجزائر ، بعد تراجع عدد مستعملي اللغة الفرنسية بالمستعمرات القديمة وفي مقدمتها الجزائر.
وتعرف الاستثمارات الفرنسية في الجزائر تناقصا حادا في حجمها منذ سنوات، فالحكومة الجزائرية التي فتحت سوقها للاوروبين لم تستطع جذب إلا ما نسبته 09 بالمائة من الاستثمارات الفرنسية كانت في اغلبها خدمات، وذلك في ظل سيطرة ملحوظة للصين وتركيا.
وانخفضت الاستثمارات الفرنسية في السوق الجزائرية بنسبة قاربت 10 بالمائة عما كانت عليه سابقا ،بعدما كانت في مقدمة الدول المستثمرة بالجزائر. وتقلص مجموع الاستثمارات الفرنسية المنتجة ليصل إلى نحو 2.5 مليار يورو، في وقت تعرف استثمارات البلدان الأخرى ارتفاعا معتبرا.
وبلغ عدد المشاريع الفرنسية في الجزائر في الفترة الممتدة بين2002 إلى غاية 2016 مايقارب 169 مشروعا بقيمة مالية قدرت 364 مليار دينار.
رفيقة معريش