لم تدم فرحة نشطاء الحراك الشعبي طويلا بعد تقديم رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز استقالته، بما أن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح تحرك بالسرعة القصوى لتعيين خلفه من ذات المجلس، أمرٌ طرح الكثير من التساؤلات حول نوايا السلطة في الدفع بالحلول التي يرفعها الجزائريون كل يوم، لإعادة ترتيب أوراق المرحلة الإنتقالية بعيدا عن منطق النظام السياسي الذي لا يزال يتعامل بسياسة توزيع بيادق لعبة الشطرنج.
سقط الطيب بلعيز أخيرا من أوراق مشهد المرحلة المقبلة، وهو الذي عينه بوتفليقة للمرة الثانية على رأس المجلس الدستوري بعد وفاة رئيسه السابق مراد مدلسي في فيفري الفارط، وقد كان هذا القاضي السابق خلال سنوات حكم الرئيس المستقيل أحد النقاط المقربة من الدائرة الرئاسية التي تعاملت مع بوتفليقة ومحيطه المباشر كما شكل إسقاطه محور ثلاثة جمعات من الحراك الشعبي في إطار الضغط على ما يسمى بـ “الباءات الثلاثة”، وبالتالي فإن مطلب رحيله كان نقطة أساسية في ورقة طريق الحراك الداعي إلى تغيير النظام بآليات ديمقراطية مستحدثة.
ولكن السرعة القصوى التي دفعت رئيس الدولة الإنتقالي عبد القادر بن صالح في تعيين العضو السابق كمال فنيش في مكان الطيب بلعيز تدل بما لا يدع مجالا للشك أن السلطة ماضية في طريقها ولا تريد تضييع المزيد من الوقت كما أنها لا ترغب في الخروج عن المسار الذي قررته منذ البداية لحل الأزمة وهو المادة 102 من الدستور، لتسيير المرحلة الانتقالية بعد استقالة الرئيس بوتفليقة، وهو الأمر الذي يرفضه الحراك الباحث عن مرحلة جديدة تقودها أطراف وشخصيات سياسية وحقوقية مستقلة عن وجوه النظام الذي خلفه نظام الرئيس المستقيل، وهي الفكرة التي يؤكدها رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي بقوله “السلطة تريد البقاء دائما في إطار المادة 102 من الدستور”.
ويعتبر كمال فنيش عضوا سابقا بالمجلس الدستوري كان قد عينه بوتفليقة عام 2016، وسبق له أن عمل أيضا مستشارا بالمحكمة العليا ثم بمجلس الدولة، ما يطرح تساؤلات حول نوايا السلطة في التوجه نحو التغيير الذي يريده الحراك الديمقراطي المنتفض في الشارع، بما أن نفس الشخصيات السياسية والقانونية التي خدمت النظام السابق هي التي تتولى في المرحلة الانتقالية المناصب المفتاحية في بلورة نظام ما بعد بوتفليقة، ويرى المحلل السياسي سفيان صخري قضية تعيين كمال فنيش رئيسا للمجلس الدستوري بأنها “إجراء غير دستوري قامت به أطراف تتفنن في تدوير المناصب بين الخدام الأوفياء لبوتفليقة، ذهاب بوتفليقة كان صعب لكن إنهاء النظام البوتفليقي أصعب”.
وفي نفس الاتجاه يعتبر المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان، مصطفى بوشاشي، استقالة الطيب بلعيز بأنها “خطوة غير كافية” مضيفا بأن “المرحلة لا تتطلب التمسك التقني بالمواد الدستورية، لكون الجزائر تعيش أزمة سياسية تفترض اللجوء إلى حلول سياسية”، ومشيرا إلى أن “القرارات المستعجلة في الوقت الحالي تتعلق برحيل رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة، وبدء ملاحقة الفاسدين”، وقال المحامي مقران آيت العربي إن تعيين فنيش رئيسا للمجلس الدستوري خلفا لبلعيز “لا يحل الأزمة، لأن المشكلة ليست في الأفراد، وإنما في المجلس الدستوري في حد ذاته، ولذلك أعتقد أنه يتوجب عدم إضاعة الوقت في تعيينات لا معنى لها”.
ولكن الخطاب الأخير للفريق قائد أركان الجيش الوطني الشعبي من الناحية العسكرية الرابعة بورقلة أعاد الأمل بخصوص استعداد المؤسسة العسكرية للانفتاح على حلول سياسية أخرى، بعيدا عن منطق المادة الدستورية 102، عندما قال قايد صالح أن “قيادة الجيش الوطني الشعبي لن تتخذ أية قرارات لا تخدم الشعب والوطن”، مضيفا أن “كافة الآفاق الممكنة تبقى مفتوحة في سبيل التغلب على مختلف الصعوبات وإيجاد حل للأزمة في أقرب الأوقات”، كما أكد أن الجيش “حريص على ألا تراق قطرة دم جزائري واحدة، خدمة لمصالح أطراف معادية، التي لم يعجبها الطابع السلمي للمسيرات”.
وفي السياق ذاته، دعت المعارضة المجتمعة تحت شعار “قوى التغيير لنصرة خيار الشعب” قيادة الجيش إلى المزيد من التفاعل مع مطالب الشارع، والمساعدة على تحقيقها في إطار احترام الشرعية الشعبية وهذا لتجاوز الأزمة السياسية التي دخلت فيها البلاد منذ 22 فيفري الفارط.
إسلام كعبش
بهدف تأطير الحراك الشعبي
دعوة لتشكيل لجان مواطنية للانتقال الديمقراطي
دعا مجموعة من الصحفيين والمثقفين في بيان لهم إلى تشكيل ما أسموها بـ “لجان مواطنية للانتقال الديمقراطي” وهذا لأن وفقهم “التجنيد الذاتي والمثالي للجزائريات والجزائريين منذ 22 فيفري 2019، يوضح مرة أخرى نهضة الأمة الجزائرية، وتصميم شعبها في مسيرته التاريخية من أجل استرجاع استقلاله الكامل بإرساء دولة الحق والقانون والحريات الديمقراطية”.
قال البيان الذي وقعه مجموعة من الكتاب والصحفيين في شكل نداء للشعب أن هذا “الشعب الجزائري في مجمله، يؤكد أن تقرير مصيره على الصعيد الداخلي، هو الشرط الأساسي لبناء دولة جزائرية حرة وقوية ومحترمة”. وتابع “تؤكد المظاهرات الهائلة لملايين الجزائريين، نساء ورجالا، شبابا وشيوخا، عبر الولايات الـ48 عبر التراب الوطني، على تضامن ووحدة الشعب الجزائري، وعلى وجه الخصوص الآمال والطموحات المشتركة لجميع مكوناته المتنوعة في الحرية ، والعدالة والديمقراطية”.
وأبرز البيان أن الطابع السلمي وغير العنيف للمظاهرات “يوضح المستوى العالي للوعي السياسي للشعب، وقناعته القوية بأن العنف موجود بجانب منظومة السلطة، فالشعب المنشغل بحماية البلاد اختار أن يتحرر بالنضال السياسي من دكتاتورية نظام عاجز ومنته الصلاحية”.
وترى المجموعة الممضية على هذا الإقتراح أن التحول الديمقراطي “يتطلب أكبر قدر ممكن من العمل الصارم والجدي في التنظيم والتخطيط، والذي يستدعي مساهمة أكبر عدد من الناس، لذلك توجد اليوم حاجة ملحة لتأسيس أطر مؤقتة من شأنها أن تحدد الطريق الموصلة للديمقراطية، وتعيين ممثلين ومندوبين توكل لهم بشكل واضح مهمة اقتراح ومناقشة مراحل هذا التحول الحاسم”.
ودعوا في السياق ذاته، النساء والرجال المنخرطين في هذه المهمة “أن يكونوا تجسيدا لتقدم العمل السياسي نحو بعد أخلاقي وأن يتحلوا بإنكار الذات ومراعاة المصلحة العامة. وهكذا سيختار المواطنون مندوبيهم بأنفسهم بعيدا عن جميع أشكال التلاعب والنفوذ والتأليب الذي تمارسه وسائل الإعلام”، وأضاف البيان “لقد بات من المستعجل، بل ومن الحيوي أيضا، إعطاء أشكال تنظيمية متعددة للتعبئة المواطنية واستعادة الفضاء العام، بل وخلق فضاءات عمومية للنقاش بغرض التشاور حول مجمل القضايا السياسية المرتبطة بالانتقال الديمقراطي”.
ولذلك أكد البيان أنه “أمام متطلبات اللحظة الراهنة، ولتفادي المناورات، وعمليات التعليب، ومحاولات التلاعب الكثيرة في الظروف الحالية، فإنه من المستعجل إنشاء أطر شعبية للتنظيم الذاتي تستطيع حمل مطلب الشعب من أجل التغيير الجذري للنظام وبناء دولة القانون”، ويعتبر ما وصفوه بـ “التنظيم الذاتي” “مكونا سوسيو سياسي للشعب الجزائري ليس فقط ضمانة لتمثيل فعال، لكنه يشكل أيضا فضاء للسلطة المضادة وللتشاور الجماعي القادر على إحباط كل محاولات التوجيه والاستغلال التي تقوم بها قوى الثورة المضادة”، وهكذا فإنه يعود إلى “مجالس التشاور لكل تنظيم، أو لجنة شعبية، أن تقرر تفويض ممثلين، كما يجب على هؤلاء الممثلين تقديم حصيلة أعمالهم بشكل دائم للمجالس التي فوضتهم، ولكل واحد من هذه اللجان أو المجالس أن يختار التسمية والشكل التنظيمي الذي يناسبه”.
واقترح البيان أن هذه التنظيمات على مستوى القاعدة “يمكن أن تتوحد بسهولة من خلال أرضيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، وأفاد موقعو البيان بأنهم أسسوا “لجنة المواطنين الأحرار من أجل الانتقال الديمقراطي”، متعهدين في الوقت ذاته، “بتقديم مقترحات من أجل التغيير السلمي والمنظم، وتعيين ممثلين يحملون مطالبنا بالاشتراك مع مندوبي لجان ومجالس المواطنين الأخرى”.
إسلام كعبش