يفرض تباطؤ النمو العالمي وتصاعُد التوترات التجارية والجغرافية-السياسية تحديات اقتصادية على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (MENAP)، وذلك حسبما جاء في آخر عدد أصدره صندوق النقد الدولي من تقرير آفاق الإقتصاد الاقليمي. وبالإضافة إلى ذلك، تؤثر أسعار النفط المنخفضة والمتقلبة تأثيرا سلبيا على بعض البلدان، بينما تعاني بلدان أخرى في مواجهة تزايد الدين العام.
فمن المتوقع حدوث بعض الانخفاض في النمو لدى البلدان المصدرة للنفط عام 2019، ليصل إلى 0,4% بعد أن بلغ 0,6% في السنة السابقة، مدفوعا بانكماش الاقتصاد الإيراني عقب تجديد العقوبات. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يبلغ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي 2,1% في 2019، فيما يمثل تحسنا طفيفا فحسب عن معدل النمو الذي بلغ 2% العام السابق. وتساهم تخفيضات إنتاج النفط والضبط المالي الجاري في بلدان مثل البحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة في هذه الآفاق الأكثر ضعفا بالنسبة للنمو.
أما البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، فيتوقع أن يكون النمو فيها بطيئا، حيث ينخفض من 4,2% في 2018 إلى 3,6% كما هو متوقع هذا العام. غير أن هذا الرقم يُتوقع أن يتعافى مسجلا 4,2% اعتبارا من 2020-2023. ويعكس الاتجاه الهبوطي في عام 2019 حالة التباطؤ في الاقتصاد العالمي، وإن كانت تتفاوت بين بلدان المنطقة؛ فمصر، على سبيل المثال، تواصل نموها القوي، بينما يُتوقع للاقتصاد الباكستاني أن يشهد تباطؤا حادا، مما يضع عبئا معوقا على النمو الكلي في المنطقة.
وتتنامى بواعث القلق بشأن المالية العامة على مستوى بلدان المنطقة، حيث يشكل ارتفاع الدين العام عائقا متزايدا أمام البلدان في سعيها لتلبية احتياجاتها الهيكلية الملحة. وبالإضافة إلى ذلك، تمثل التوترات الاجتماعية مصدر قلق متناميا، مما يؤكد صعوبة المفاضلة التي تواجه صناع السياسات بين ضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي ومعالجة تحديات النمو على المدى المتوسط.
وتلقي الأوضاع الاقتصادية والتوترات الجغرافية-السياسية الصعبة على مستوى العالم ظلالا قاتمة على الآفاق المتوقعة لبلدان المنطقة ككل. وتمثل الأوضاع المالية العالمية المشوبة بعدم اليقين مصدرا للقلق أيضا، ولا سيما للبلدان المستوردة للنفط التي سيحل قريبا أجل استحقاق إصداراتها الكبيرة من سندات الدين المقومة بالعملة الأجنبية.
ومع وصول تقلبات أسعار النفط مؤخرا إلى مستويات لم تشهدها منذ صدمات العامين 2014 و 2015، يمكن أن يكون استئناف جهود الضبط المالي عاملا مساعدا للبلدان المصدرة للنفط في سعيها للوصول بالتدريج إلى مستويات إنفاق أكثر استدامة تساعدها على حماية اقتصاداتها من الأثر السلبي لتقلبات أسعار النفط. وفي البلدان المستوردة للنفط، يلزم الاستمرار في إجراءات الضبط المالي لإعادة بناء هوامش الأمان وتعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات. غير أنه ينبغي اتخاذ إجراءات تضمن ملاءمة التعديلات المطلوبة لمقتضيات النمو، بما في ذلك إتاحة قدر كاف من الإنفاق العام لأغراض الرعاية الصحية والتعليم وشبكات الأمان الاجتماعي، مما يمكن أن يساعد على تخفيف التوترات الاجتماعية.
وسيساعد التوسع في الإصلاحات الهيكلية لدعم نشاط القطاع الخاص وتحفيز خلق فرص العمل على تنويع الاقتصادات في كل بلدان المنطقة والوصول بها إلى تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواءً لكل شرائح المجتمع على المدى المتوسط. وفي هذا الصدد، تعد السياسات الرامية إلى تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سياسات ضرورية، بما في ذلك السياسات التي تعمل على زيادة فرص الحصول على التمويل. وتضع آفاق الاقتصاد العالمي غير المستقرة والأوضاع الاقتصادية الكلية المحفوفة بالتحديات مسؤولية أكبر على عاتق بلدان المنطقة فيما يتعلق بخلق بيئة أكثر تمكينا لاستثمارات القطاع الخاص من خلال الحد من الفساد وتقوية المؤسسات. ويظل الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا في صدارة الأولويات أيضا. فمن خلالهما معا، يمكن أن تقطع هذه الجهود شوطا طويلا نحو إقامة قطاعات خاصة ديناميكية تستطيع خلق الوظائف لملايين الشباب الذين ينضمون إلى القوى العاملة.