يمثل الحراك الشعبي منذ 22 فيفري 2019 قفزة نوعية في الوعي السياسي والاجتماعي والحقوقي سمح بطرح قضايا عميقة في الفضاء العام عبر المسيرات و من خلال الشعارات والمناقشات والحوارات والمقترحات الغنية والمبادرات الكثيرة التي تعبر عن انخراط الجزائريين على اختلاف مشاربهم في مسار بناء جزائر المستقبل. لقد حققت ثورة التحرير الاستقلال السياسي ووضعت أسس الدولة الوطنية المستقلة ذات السيادة التي انبثقت عنها مؤسسات تمارس السيادة في الفضاء السياسي في غياب المواطنين. ويمثل الحراك الشعبي انقلابا حقيقيا في الممارسة السياسية وهذا من خلال حضور الشعب المباشر في الفضاء العام لممارسة السيادة التي كانت حكرا على المؤسسات والأشخاص. هذا السلوك الجديد يؤسس لثقافة سياسية جديدة قائمة على التنوع وتعدد الرؤى وقبول الاختلاف والتسامح والتعايش بين التيارات المختلفة، نعني ثقافة سياسية تقطعُ مع ذهنية الاحتكار والأحادية. فلا مُستقبل في حالة بلدٍ مثل الجزائر إلا بتوفر عقل سياسيّ ديمقراطيّ جديدٍ ومنفتح يمكنه إبداع صيغ مبتكرة للعيش المُشترك تضمن المواطنة والمساواة واحترام التعدد في إطار وحدةٍ لا تعلو على هذا التعدد بقدر ما تنبثقُ عنه.
لقد سجل المثقفون حضورهم في الحراك الشعبي بأشكال مختلفة تتناسب مع حضورهم الاجتماعي رغم سياسة التضييق التي مورست على فضاءات الفكر والثقافة طيلة عقود. ويتطلب الأمر تطوير دور النخبة من مجرد مواكبة الحراك والمشاركة فيه إلى بلورة الرؤى والأفكار وتجذيرها وإعطائها الطابع الملموس بتحويلها من مستوى الإمكان إلى الفعل، والعمل على تحويل قوة الحراك إلى فعالية تغيير حقيقية لا تكتفي بالرفض والاحتجاج والمطالبة بل تتجاوز ذلك إلى تقديم المقترحات والشروع في البناء: بناء الرؤى والأفكار وبناء المؤسسات وبناء دولة الحقوق والحريات الفردية والجماعية والمساهمة في التنمية الحقيقية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يقوم مشروع الحراك الشعبي على التركيز على القضايا الأساسية التي تحقق الإجماع واستبعاد القضايا الخلافية لضمان حقوق الجميع في الاختلاف وامتلاك رؤى وتصورات مختلفة. هكذا تتأسس دولة الحقوق والحريات التي يتعايش فيها الجميع. نأمل أن يتحقق الإجماع حول قضايا رئيسية:
1. رفض نظام الفساد القائم على التفرقة بين الجزائريين ورفض كل رموزه؛
2. الإجماع على الطابع المدني والديمقراطي للدولة من خلال ضمان احترام حقوق المواطنة والحريات الفردية والجماعية؛
3 الشعب مالك السيادة ومصدر كل السلطات؛
4. الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية؛
5 استقلالية العدالة؛
6. رفض التمييز بين الجزائريين على اساس عرقي أو عنصري أو عقائدي أو اجتماعي وتجريم المساس بالحقوق والحريات الفردية والجماعية وتجريم التخوين والتكفير والتمييز العنصري ؛
7. تحييد قضايا الهوية والدين والتاريخ من النقاش السياسي؛
8. العودة إلى الشعب في كل القضايا المصيرية.
9. وضع أجندة للخروج من الأزمة السياسية الحالية بالاتفاق على رئيس توافقي أو هيئة رئاسية وحكومة انتقالية ولجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات بصلاحيات كافية تسمح بتعديل قانون الانتخابات الحالي ؛
10. اقتراح ندوة وطنية للنخب الثقافية والعلمية والإعلامية؛